جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (248)

{ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ } ، لما طلبوا دليلاً على أن الله اصطفى طالوت ، { إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ } : صندوق أخذ العمالقة منهم ، { فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } : وقار {[486]} ورحمة ، من ذهب الجنة تغسل فيه قلوب الأنبياء ، فوضع موسى فيه الألواح {[487]} ، وروح من الله إذا اختلفوا في شيء يخبرهم ببيان ما يريدون ، وفيه أقوال {[488]} أخر ، وفي الجملة في أي مكان كان فيه تطمئن القلوب ، { وَبَقِيَّةٌ {[489]} مِّمَّا تَرَكَ {[490]} آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ } عصاه {[491]} ورضاض الألواح والتوراة ، وقيل : ثياب هارون وقفيز من المن ، { تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ } : جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض ، حتى وضعته بين يدي طالوت ، والناس ينظرون ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ } ، أي : رجوع التابوت ، { لآيَةً لَّكُمْ } : علامة لصدقي في اصطفائه ، { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } : مصدقين ، وهذا من تتمة كلام ذلك النبي عليه السلام ، وجاز أن يكون ابتداء خطاب من الله .


[486]:هذا قول ابن عباس وقتادة، وقيل في الصندوق: توراته/12
[487]:رواه عبد الرزاق عن وهب بن منبه/12
[488]:فعن علي: كان لها وجه كوجه الإنسان وفيها ريح حفافة، أي: مصوتة أو شيء يشبه الهرة، وكانوا إذا سمعوا تيقنوا بالنصر/12 منه، أقول هذه التفاسير المتناقضة لعلها وصلت إلى هؤلاء الأعلام من جهة اليهود أقمعهم الله، فجاءوا بهذه الأمور لقصد التلاعب بالمسلمين والتشكيك عليهم، وانظر إلى جعلهم لها تارة حيوانا، وتارة جمادا، وتارة شيئا لا يعقل، وهكذا كل منقول عن بني إسرائيل يتناقض ويشتمل على ما لا يعقل في الغالب، ولا يصح أن يكون مثل هذه التفاسير المتناقضة مرويّا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا رأيا رآه قائله فهم أجل قدرا عن التفسير بالرأي، وبما لا مجال للاجتهاد فيه، إذا تقرر ذلك، عرفت أن الواجب الرجوع في مثل ذلك إلى معنى السكينة لغة، وهو معروف ولا حاجة إلى ركوب هذه الأمور المتعسفة المتناقضة، فقد جعل الله عنها سعة، ولو ثبت لنا في السكينة تفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم، لوجب علينا المصير إليه، والقول به، ولكنه لم يثبت من وجه صحيح، بل ثبت أنها تنزلت على بعض الصحابة عند تلاوته للقرآن، كما في صحيح مسلم عن البراء بن عازب، قال: "كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو، وجعل الفرس ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: تلك السكينة نزلت للقرآن" [ظاهر هذا العزو يشعر بأن مسلما أخرجه دون البخاري، وهذا غير صحيح، فقد أخرجه البخاري في "فضائل القرآن" (5011)، ومسلم في صلاة المسافرين] وليس في هذا إلا أن هذه التي سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم سكينة سحابة دارت على ذلك القارئ، فالله أعلم، فعلى هذا كل شيء كانوا يسكنون إليه فهو سكينة/م
[489]:لم يعين الله البقية والاختلاف كثير/12 وجيز
[490]:أراد من آلهما الأنبياء من بني يعقوب بعدهما، أو الآل مقحم زيد لتفخيم شأنهما/12
[491]:الأول لابن عباس، والثاني لقتادة وعكرمة والسدي/12