الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (248)

{ التابوت } صندوق التوراة . وكان موسى عليه السلام إذا قاتل قدّمه فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرّون . والسكينة : السكون والطمأنينة ، وقيل : هي صورة كانت فيه من زبرجد أو ياقوت ، لها رأس كرأس الهرّ وذنب كذنبه وجناحان ، فتئن فيزف التابوت نحو العدوّ وهم يمضون معه ، فإذا استقرّ ثبتوا وسكنوا ونزل النصر ، وعن عليّ رضي الله عنه : كان لها وجه كوجه الإنسان وفيها ريح هفافة { وَبَقِيَّةٌ } هي رضاض الألواح وعصى موسى وثيابه وشيء من التوراة ، وكان رفعه الله تعالى بعد موسى عليه السلام فنزلت به الملائكة تحمله وهم ينظرون إليه ، فكان ذلك آية لاصطفاء الله طالوت . وقيل : كان مع موسى ومع أنبياء بني إسرائيل بعده يستفتحون به . فلما غيرت بنو إسرائيل غلبهم عليه الكفار فكان في أرض جالوت ، فلما أراد الله أن يملّك طالوت أصابهم ببلاء حتى هلكت خمس مدائن ، فقالوا : هذا بسبب التابوت بين أظهرنا ، فوضعوه على ثورين ، فساقهما الملائكة إلى طالوت . وقيل كان من خشب الشمشار مموّها بالذهب . نحواً من ثلاثة أذرع في ذراعين . وقرأ أبيّ وزيد بن ثابت : «التابوه » بالهاء وهي لغة الأنصار .

فإن قلت : ماوزن التابوت ؟ قلت : لا يخلو من أن يكون فعلوتا أو فاعولاً ، فلا يكون «فاعولا » لقلته ، نحو : سلس وقلق ، ولأنه تركيب غير معروف فلا يجوز ترك المعروف إليه ، فهو إذاً «فعلوت » من التوب ، وهو الرجوع : لأنه ظرف توضع فيه الأشياء وتودعه ، فلا يزال يرجع إليه ما يخرج منه ، وصاحبه يرجع إليه فيما يحتاج إليه من مودعاته . وأمّا من قرأ بالهاء فهو «فاعول » عنده ، إلا فيمن جعل هاءه بدلاً من التاء ، لاجتماعهما في الهمس وأنهما من حروف الزيادة . ولذلك أبدلت من تاء التأنيث . وقرأ أبو السمال : «سَكِّينة » ، بفتح السين والتشديد وهو غريب . وقرىء : «يحمله » ، بالياء ،

فإن قلت : مَن { ءَالُ موسى وَءَالُ هارون } ؟ قلت : الأنبياء من بني يعقوب بعدهما . لأن عمران هو ابن قاهث بن لاوى بن يعقوب فكان أولاد يعقوب آلهما . ويجوز أن يراد : مما تركه موسى وهارون . والآل مقحم لتفخيم شأنهما .