بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (248)

{ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التابوت } ؛ وذلك أن الكفار كانوا أخذوا التابوت ، وكان التابوت للمسلمين ، فإذا خرجوا للغزو والتابوت معهم كانوا يرجون الظفر . فأخذ الكفار التابوت ووضعوه في مزبلة أي في مخرأة لهم فابتلاهم الله تعالى بالباسور . ويقال إن أصل الباسور من ذلك الوقت ، وأصل الجذام من وقت أيوب عليه السلام وتغير الطعام من قبل بني إسرائيل . فجعل الله تعالى آية ملك طالوت رد التابوت إليهم ، فذلك قوله تعالى : { إن آية ملكه } يعني علامة ملكة { أَن يَأْتِيَكُمُ التابوت } .

{ فِيهِ سَكِينَةٌ مّن رَّبّكُمْ } . قال الكلبي : سكينة أي : طمأنينة ، إذا كان التابوت في مكان اطمأنت قلوبهم بالظفر . وقال مقاتل : السكينة كانت دابة ورأسها كرأس الهرة ولها جناحان ، فإذا صوَّتت ، عرفوا أن النصر لهم . ويقال : كانت جوهراً أحمر يسمع منه الصوت . ويقال : كانت ريحاً تهب فيها لها صوت يعرفون أن النصرة لهم عند الصوت .

قوله تعالى : { وَبَقِيَّةٌ مّمَّا تَرَكَ آلُ موسى وَآلُ هارون } ، يعني الرضاض من الألواح ، وقفيز من منّ في طست من ذهب ، وعصا موسى ، وعمامة هارون ؛ قال الكلبي : وكان التابوت من عود الشمشار الذي يتخذ منه الأمشاط ، فلما ابتلاهم الله تعالى بالباسور ، عرفوا أن ذلك من التابوت ، فقالوا : لعل إله بني إسرائيل الذي فينا ، يعنون التابوت ، هو الذي يفعل بنا هذا الفعل ، فأخرجوا بقرتين من المدينة وتركوا أولادها في المدينة ، وربطوا التابوت على عجلة ثم ربطوا العجلة بالبقرتين ، ثم وجهوهما نحو بني إسرائيل ؛ فضربت الملائكة جنوبهما ، وساقوهما حتى هجموا بهما على أرض بني إسرائيل ، فأصبحوا والتابوت بين أظهرهم . وذلك قوله تعالى : { تَحْمِلُهُ الملائكة } ، يعني الملائكة ساقوا العجلة . { إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لَّكُمْ } ، يعني إن في رد التابوت علامة لملك طالوت { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ، أي مصدقين بأن ملكه من الله تعالى فعرفوا وأطاعوه .