تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (248)

فلما أنكروا أن يكون طالوت عليهم ملكا ، { وقال لهم نبيهم إن آية ملكه } أنه من الله { أن يأتيكم التابوت } الذي أخذ منكم ، { فيه سكينة من ربكم } ، ورأس كرأس الهرة ، ولها جناحان ، فإذا صوتت عرفوا أن النصر لهم ، فكانوا يقدمونها أمام الصف ، { وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون } ، يعني بالبقية رضراضا من الألواح وقفير من في طست من ذهب وعصا موسى عليه السلام ، وعمامته ، وكان التابوت يكون مع الأنبياء إذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم يستفتحون به على عدوهم ، فلما تفرقت بنو إسرائيل وعصوا الأنبياء ، سلط الله عز وجل عليهم عدوهم ، فقتلوهم وغلبوهم على التابوت ، فدفنوه في مخرأة لهم فابتلاهم الله عز وجل بالبواسير ، فكان الرجل إذا تبرز عند التابوت أخذه الباسور ، ففشى ذلك فيهم فهجروه ، فقالوا : ما ابتلينا بهذه إلا بفعلنا بالتابوت ، فاستخرجوه ، ثم وجهوه إلى بني إسرائيل على بقرة ذات لبن ، وبعث الله عز وجل الملائكة ، فساقوا العجلة ، فإذا التابوت بين أظهرهم ، فذلك قوله سبحانه : { تحمله الملائكة } ، يعني تسوقه الملائكة ، { إن في ذلك } ، يعني في رد التابوت ، { لآية لكم إن كنتم مؤمنين } يعني مصدقين بأن طالوت ملكه من الله عز وجل .

وكان التابوت من عود الشمشار التي تتخذ منه الأمشاط الصفر مموه بالذهب ، فلما رأوا التابوت أيقنوا بأن ملك طالوت من الله عز وجل ، فسمعوا له وأطاعوا ، وكان موسى عليه السلام ، ترك التابوت في التيه قبل موته عند يوشع بن نون ، ثم إن طالوت تجهز لقتال جالوت ، وقال النبي إسماعيل لطالوت : إن الله عز وجل سيبعث رجلا من أصحابك فيقتل جالوت ، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم درعا ، فقال لطالوت : من صلحت هذه الدرع عليه ، لم تقصر عليه ، ولم تطل ، فإنه قاتل جالوت ، فاجعل لقاتله نصف ملكك ونصف مالك .

فبلغ ذلك داود النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرعى الغنم في الجبل ، فاستودع غنمه ربه جل وعز ، فقال : آتي الناس وأطالع أخوتي ، وهم سبعة من طالوت ، وانظر ما هذا الخبر ، فمر داود ، عليه السلام ، على حجر ، فقال : يا داود خذني ، فأنا حجر هارون الذي به قتل كذا وكذا ، فارم بي جالوت الجبار ، فأقع في بطنه ، فأنفذ من جانبه الآخر ، فأخذه فألقاه في مخلاته ، ثم مر بحجر آخر ، فقال له : يا داود خذني ، فأنا حجر موسى الذي قتل بي كذا وكذا ، فارم بي جالوت ، فأقع في قلبه فأنفذ من الجانب الآخر ، فألقاه في مخلاته ، ثم مر بحجر آخر ، فقال : يا داود خذني ، فأنا الذي أقتل جالوت الجبار ، فأستعين بالريح فتلقى البيضة فأقع في دماغه فأقتله ، فأخذه فألقاه في مخلاته .

ثم انطلق حتى دخل على طالوت ، فقال : أنا قاتل جالوت بإذن الله ، وكان داود ، عليه السلام ، رث المنظر ، هبير ، دوير ، فأنكر طالوت أن يقتله داود ، عليه السلام ، فقال داود : تجعل لي نصف ملكك ونصف مالك إن قتلت جالوت الجبار ؟ قال طالوت : لك ذلك عندي ، وأزوجك ابنتي ، ولن يخفى علي إن كنت أنت صاحبه ، قد أتاني قومي كلهم يزعم أنه يقتله ، وقد أخبرني إسماعيل أن الله يبعث له رجلا من أصحابي فيقتله ، فالبس هذا الدرع ، فلبسها داود ، عليه السلام ، فطالت عليه ، فانتفض فيها ، فتقلص منها وجعل داود يدعو الله عز وجل ، ثم انتفض فيها ، فتقلص منها ، ثم انتفض فيها الثالثة فاستوت عليه ، فعلم طالوت أنه يقتل جالوت .