تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (134)

وقوله : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } أي : يا من ليس{[8457]} هَمُّه إلا الدنيا ، اعلم أن عند الله ثواب الدنيا والآخرة ، وإذا سألته من هذه وهذه أعطاك وأغناك وأقناك ، كما قال تعالى : { فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا [ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ]{[8458]} } [ البقرة : 200 - 202 ] ، وقال تعالى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ [ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ]{[8459]} } [ الشورى : 20 ] ، وقال تعالى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا . وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا . كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا . انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا ]{[8460]} } [ الإسراء : 18 - 21 ] .

وقد زعم ابن جرير أن المعنى في هذه الآية : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا } أي : من المنافقين الذين أظهروا الإيمان لأجل ذلك ، { فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا } وهو ما حصل لهم من المغانم وغيرها مع المسلمين . وقوله : { وَالآخِرَةِ } أي : وعند الله{[8461]} ثواب الآخرة ، وهو ما ادخره لهم من العقوبة في نار جهنم . وجعلها كقوله : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا [ نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا ]{[8462]} وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ هود : 15 ، 16 ] .

ولا شك أن هذه الآية معناها ظاهر ، وأما تفسيره الآية الأولى بهذا ففيه نظر ؛ فإن قوله { فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } ظاهر في حضور الخير في الدنيا والآخرة ، أي : بيده هذا وهذا ، فلا يقْتَصِرَنَّ قاصر الهمة على السعي للدنيا فقط ، بل لتكن همته سامية إلى نيل المطالب العالية في الدنيا والآخرة ، فإن مرجع ذلك كله إلى الذي بيده الضر والنفع ، وهو الله الذي لا إله إلا هو ، الذي قد قسم السعادة والشقاوة في الدنيا والآخرة بين الناس ، وعدل بينهم فيما علمه فيهم ، ممن يستحق هذا ، وممن يستحق{[8463]} هذا ؛ ولهذا قال : { وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا }


[8457]:في د، ر: "وليس له".
[8458]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[8459]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[8460]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[8461]:في د، ر، أ: "أي وعنده".
[8462]:زيادة من ر، أ.
[8463]:في أ: "وعدل بينهم بمن يستحق هذا ومن يستحق هذا".