{ ويسبح الرعد بحمده } أكثر المفسرين على أن الرعد اسم للملك الذي يسوق السحاب ، والصوت المسموع منه تسبيحه . وأورد على هذا القول ما عطف عليه . وهو قوله { والملائكة من خيفته } وإذا كان المعطوف مغايراً للمعطوف عليه وجب أن يكون غيره . وأجيب عنه أنه لا يبعد أن يكون الرعد اسماً لملك من الملائكة وإنما أفرده بالذكر تشريفاً له على غيره من الملائكة ، فهو كقوله : وملائكته وجبريل وميكال . قال ابن عباس : أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله وسلم فقالوا أخبرنا عن الرعد ما هو قال : « ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوقه بها حيث يشاء الله » قالوا فما هذا الصوت الذي يسمع ؟ قال : « زجره السحاب حتى تنتهي حيث أمرت » قالوا صدقت . أخرجه الترمذي مع زيادة فيه . المخاريق : جمع مخراق ، وهو في الأصل ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضاً ، وأراد به هنا آلة تزجر بها الملائكة السحاب . وقد جاء تفسيره في حديث آخر وهو صوت{[1]} من نور تزجر الملائكة به السحاب ، قال ابن عباس : من سمع صوت الرعد فقال : سبحان من يسبح الرعد بحمده ، والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير . فإن أصابه صاعقة فعلي ديته ، وكان عبد الله بن الزبير إذا سمع الرعد ترك الحديث ، وقال : سبحان من يسبح الرعد بحمده ، والملائكة من خيفته وكان يقول إن الوعيد لأهل الأرض شديد . وفي بعض الأخبار أن الله تعالى يقول : « لو أن عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ، ولم أسمعهم صوت الرعد » وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال : الرعد ملك موكل بالسحاب يصرفه إلى حيث يؤمر ، وإن بحور الماء في نقرة إبهامه ، وإنه يسبح الله فإذا سبح لا يبقى ملك في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح فعندها ينزل المطر ، وقيل : إن الرعد اسم لصوت الملك الموكل بالسحاب ، ومع ذلك فإن صوت الرعد يسبح الله عز وجل لأن التسبيح والتقديس عبارة عن تنزيه لله عز وجل عن جميع النقائص ، ووجود هذا الصوت المسموع من الرعد وحدوثه دليل على وجود موجود خالق قادر متعال عن جميع النقائص ، وإن لم يكن ذلك في الحقيقة تسبيحاً ومنه قوله : وإن من شيء إلا يسبح بحمده وقيل المراد من تسبيح الرعد أن من سمعه سبح الله فلهذا المعنى أضيف التسبيح إليه ، وقوله والملائكة من خيفته يعني ويسبح الملائكة من خيفة الله عز وجل وهيبته وخشيته ، وقيل : المراد بهذه الملائكة أعوان السحاب جعل الله عز وجل مع الملك الموكل بالسحاب أعواناً من الملائكة ، وهم خائفون خاضعون طائعون . وقيل : المراد بهم جميع الملائكة وحمله على العموم أولى { ويرسل الصواعق } جمع صاعقة ، وهي العذاب النازل من البرق فيحترق من تصيبه وقيل : هي الصوت الشديد النازل من الجو ثم يكون فيه نار أو عذاب أو موت وهي في ذاتها شيء واحد ، وهذه الأشياء الثلاثة تنشأ منها { فيصيب بها } يعني بالصواعق { من يشاء } يعني فيهلك بها كما أصاب أربد بن ربيعة . قال محمد الباقر : الصاعقة تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب الذاكر { وهم يجادلون في الله } يعني يخاصمون في الله . وقيل : المجادلة المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة ، وأصله من جدلت الحبل إذا أحكمت فتله نزلت في شأن أربد بن ربيعة حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم : مم ربك أمن درأم من ياقوت أم من ذهب فنزلت صاعقة من السماء فأحرقته . وسئل الحسن عن قوله : ويرسل الصواعق الآية فقال : كان رجل من طواغيت العرب بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم نفراً من أصحابه يدعونه إلى الله ، وإلى رسوله فقال لهم : أخبروني عن رب محمد هذا الذي تدعونني إليه ، هل هو من ذهب أو فضة أو حديد أو نحاس ؟ فاستعظم القوم كلامه فانصرفوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله ما رأينا رجلاً أكفر قلباً ولا أعتى على الله منه . فقال : ارجعوا إليه فرجعوا فلم يزدهم على مقالته الأولى شيئاً بل قال : أأجيب محمداً إلى رب لا أراه ولا أعرفه فانصرفوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ما زادنا على مقالته شيئاً بل أخبث ، فقال : ارجعوا إليه فرجعوا إليه فبينما هم عنده يدعونه وينازعونه ، وهو لا يزيدهم على مقالته شيئاً إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رؤوسهم ، فرعدت وبرقت ورمت بصاعقة فأحرقت الكافر ، وهم جلوس عنده فرجعوا ليخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رجعوا استقبلهم نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم : احترق صاحبكم قالوا : من أين علمتم ذلك ؟ قالوا قد أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله . واختلفوا في هذه الواو ، فقيل : واو الحال فيكون المعنى فيصيب بها من يشاء في حال جداله في الله وذلك أن أربد لما جادل في الله ، أهلكه الله بالصاعقة ، وقيل : إنها واو الاستئناف فيكون المعنى أنه تعالى لما تمم ذكر الدلائل قال : بعد ذلك وهم يجادلون في الله { وهو شديد المحال } أي شديد الأخذ بالعقوبة ، من قولهم يمحل به محلاً إذا أراد به سوءاً ، وقيل : هو من قولهم يمحل به إذا سعى به إلى السلطان وعرضه للهلاك وتمحل إذا تكلف استعمال الحيلة ، واجتهد فيه فيكون المعنى أنه سبحانه وتعالى شديد المحال بأعدائه حتى يهلكهم بطريق لا يعرفونه ولا يتوقعونه . وقيل : المحل من المحول وهو الحيلة ، والميم زائدة في اختلفت عبارات المفسرين في معنى قوله شديد المحال فقال الحسن : معناه شديد النقمة . وقال مجاهد وقتادة : شديد القوة . وقال ابن عباس : شديد الحول . وقيل شديد العقوبة وقيل معناه شديد الجدال . وذلك أنه لما أخبر عنهم أنهم يجادلون في الله أخبر أنه أشد جدالاً منهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.