لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمۡ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ} (13)

{ ويسبح الرعد بحمده } أكثر المفسرين على أن الرعد اسم للملك الذي يسوق السحاب ، والصوت المسموع منه تسبيحه . وأورد على هذا القول ما عطف عليه . وهو قوله { والملائكة من خيفته } وإذا كان المعطوف مغايراً للمعطوف عليه وجب أن يكون غيره . وأجيب عنه أنه لا يبعد أن يكون الرعد اسماً لملك من الملائكة وإنما أفرده بالذكر تشريفاً له على غيره من الملائكة ، فهو كقوله : وملائكته وجبريل وميكال . قال ابن عباس : أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله وسلم فقالوا أخبرنا عن الرعد ما هو قال : « ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوقه بها حيث يشاء الله » قالوا فما هذا الصوت الذي يسمع ؟ قال : « زجره السحاب حتى تنتهي حيث أمرت » قالوا صدقت . أخرجه الترمذي مع زيادة فيه . المخاريق : جمع مخراق ، وهو في الأصل ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضاً ، وأراد به هنا آلة تزجر بها الملائكة السحاب . وقد جاء تفسيره في حديث آخر وهو صوت{[1]} من نور تزجر الملائكة به السحاب ، قال ابن عباس : من سمع صوت الرعد فقال : سبحان من يسبح الرعد بحمده ، والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير . فإن أصابه صاعقة فعلي ديته ، وكان عبد الله بن الزبير إذا سمع الرعد ترك الحديث ، وقال : سبحان من يسبح الرعد بحمده ، والملائكة من خيفته وكان يقول إن الوعيد لأهل الأرض شديد . وفي بعض الأخبار أن الله تعالى يقول : « لو أن عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ، ولم أسمعهم صوت الرعد » وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال : الرعد ملك موكل بالسحاب يصرفه إلى حيث يؤمر ، وإن بحور الماء في نقرة إبهامه ، وإنه يسبح الله فإذا سبح لا يبقى ملك في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح فعندها ينزل المطر ، وقيل : إن الرعد اسم لصوت الملك الموكل بالسحاب ، ومع ذلك فإن صوت الرعد يسبح الله عز وجل لأن التسبيح والتقديس عبارة عن تنزيه لله عز وجل عن جميع النقائص ، ووجود هذا الصوت المسموع من الرعد وحدوثه دليل على وجود موجود خالق قادر متعال عن جميع النقائص ، وإن لم يكن ذلك في الحقيقة تسبيحاً ومنه قوله : وإن من شيء إلا يسبح بحمده وقيل المراد من تسبيح الرعد أن من سمعه سبح الله فلهذا المعنى أضيف التسبيح إليه ، وقوله والملائكة من خيفته يعني ويسبح الملائكة من خيفة الله عز وجل وهيبته وخشيته ، وقيل : المراد بهذه الملائكة أعوان السحاب جعل الله عز وجل مع الملك الموكل بالسحاب أعواناً من الملائكة ، وهم خائفون خاضعون طائعون . وقيل : المراد بهم جميع الملائكة وحمله على العموم أولى { ويرسل الصواعق } جمع صاعقة ، وهي العذاب النازل من البرق فيحترق من تصيبه وقيل : هي الصوت الشديد النازل من الجو ثم يكون فيه نار أو عذاب أو موت وهي في ذاتها شيء واحد ، وهذه الأشياء الثلاثة تنشأ منها { فيصيب بها } يعني بالصواعق { من يشاء } يعني فيهلك بها كما أصاب أربد بن ربيعة . قال محمد الباقر : الصاعقة تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب الذاكر { وهم يجادلون في الله } يعني يخاصمون في الله . وقيل : المجادلة المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة ، وأصله من جدلت الحبل إذا أحكمت فتله نزلت في شأن أربد بن ربيعة حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم : مم ربك أمن درأم من ياقوت أم من ذهب فنزلت صاعقة من السماء فأحرقته . وسئل الحسن عن قوله : ويرسل الصواعق الآية فقال : كان رجل من طواغيت العرب بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم نفراً من أصحابه يدعونه إلى الله ، وإلى رسوله فقال لهم : أخبروني عن رب محمد هذا الذي تدعونني إليه ، هل هو من ذهب أو فضة أو حديد أو نحاس ؟ فاستعظم القوم كلامه فانصرفوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله ما رأينا رجلاً أكفر قلباً ولا أعتى على الله منه . فقال : ارجعوا إليه فرجعوا فلم يزدهم على مقالته الأولى شيئاً بل قال : أأجيب محمداً إلى رب لا أراه ولا أعرفه فانصرفوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ما زادنا على مقالته شيئاً بل أخبث ، فقال : ارجعوا إليه فرجعوا إليه فبينما هم عنده يدعونه وينازعونه ، وهو لا يزيدهم على مقالته شيئاً إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رؤوسهم ، فرعدت وبرقت ورمت بصاعقة فأحرقت الكافر ، وهم جلوس عنده فرجعوا ليخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رجعوا استقبلهم نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم : احترق صاحبكم قالوا : من أين علمتم ذلك ؟ قالوا قد أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله . واختلفوا في هذه الواو ، فقيل : واو الحال فيكون المعنى فيصيب بها من يشاء في حال جداله في الله وذلك أن أربد لما جادل في الله ، أهلكه الله بالصاعقة ، وقيل : إنها واو الاستئناف فيكون المعنى أنه تعالى لما تمم ذكر الدلائل قال : بعد ذلك وهم يجادلون في الله { وهو شديد المحال } أي شديد الأخذ بالعقوبة ، من قولهم يمحل به محلاً إذا أراد به سوءاً ، وقيل : هو من قولهم يمحل به إذا سعى به إلى السلطان وعرضه للهلاك وتمحل إذا تكلف استعمال الحيلة ، واجتهد فيه فيكون المعنى أنه سبحانه وتعالى شديد المحال بأعدائه حتى يهلكهم بطريق لا يعرفونه ولا يتوقعونه . وقيل : المحل من المحول وهو الحيلة ، والميم زائدة في اختلفت عبارات المفسرين في معنى قوله شديد المحال فقال الحسن : معناه شديد النقمة . وقال مجاهد وقتادة : شديد القوة . وقال ابن عباس : شديد الحول . وقيل شديد العقوبة وقيل معناه شديد الجدال . وذلك أنه لما أخبر عنهم أنهم يجادلون في الله أخبر أنه أشد جدالاً منهم .


[1]:قوله صوت لعله سوط كما يقتضيه السياق ا هـ مصححة.