لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (6)

واعلم أن الله عزّ وجل صدر هذه السورة بأربع آيات أنزلها في المؤمنين وبآيتين أنزلهما في الكافرين وبثلاث عشرة آية أنزلها في المنافقين . فأما التي في الكفار فقوله تعالى : { إن الذين كفروا } أي جحدوا وأنكروا وأصل الكفر في اللغة الستر والتغطية ، ومنه سمي الليل كافراً لأنه يستر الأشياء بظلمته قال الشاعر ، في ليلة كفر النجوم غمامها ، أي سترها والكفر على أربعة أضرب : كفر إنكار وهو أن لا يعرف الله أصلاً ككفر فرعون وهو وقوله ما علمت لكم من إله غيري ، وكفر جحود وهو أن يعرف الله بقلبه ولا يقر بلسانه ككفر إبليس ، وكفر عناد وهو أن يعرف الله بقلبه ويقر بلسانه ولا يدين به ككفر أمية بن أبي الصلت وأبي طالب حيث يقول في شعر له :

ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا

وكفر نفاق ، وهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد صحة ذلك بقلبه ، فجميع هذه الأنواع كفر . وحاصله أن من جحد الله أو أنكر وحدانيته أو أنكر شيئاً مما أنزله على رسوله أو أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو أحداً من الرسل فهو كافر فإن مات على ذلك فهو في النار خالداً فيها ولا يغفر الله له نزلت في مشركي العرب . وقيل في اليهود { سواء عليهم } أي متساوٍ لديهم { أأنذرتهم } أي خوفتهم وحذرتهم والإنذار إعلام مع تخويف فكل منذر معلم وليس كل معلم منذراً { أم لم تنذرهم لا يؤمنون } أي لا يصدقون وهذه الآية في أقوام حقت عليهم كلمة العذاب في سابق علم الله الأزلي أنهم لا يؤمنون .