فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (6)

{ كفروا } غطوا وستروا . ( سواء ) مستو .

{ أأنذرتهم } أخوفتهم .

وصف الله تعالى المتقين في الآيات الأربع السابقات وكأنها شاهدة بأن بصائر القرآن ونوره وموعظته تهدي إلى سبل السلام وتبلغ بالمتبعين لها الفوز والنجاح ورضوان الملك العلام أما الذين لا يتبعون الذكر فقد أنبأتنا هذه الآية أنهم لا يزدجرون عن الغي ولا يتهيبون عاقبة الزيغ والبغي ولا يسلكون سبيل الحق : " { إنما تنذر من اتبع الذكر . . } {[123]} ، أي : فهذا ينفعه الإنذار أما المكذبون بالقرآن فما تغني عنهم النذر ، ذلك أن القلوب إذ غلفها الغرور والكبر تحجرت ، وفارقها صفاء الفطرة ولا يستويان جاء في محكم الفرقان : { . . . فويل للقاسية قلوبهم من الذكر أولئك في ضلال مبين . الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يظلل الله فماله من هاد }{[124]} ؛ وهكذا من خرج على فطرة الله السوية فإن إنذاره وعدم إنذاره يستويان والكفر ضد الإيمان وهو المراد في الآية وقد يكون بمعنى جحود النعمة والإحسان ومنه قوله عليه السلام في النساء في حديث الكسوف ( . . ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع ورأيت أكثر أهلها النساء ) قيل : بم يا رسول الله ؟ قال بكفرهن قيل : أيكفرن بالله ؟ قال : ( يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيك منك خيرا قط ) أخرجه البخاري وغيره ، وأصل الكفر في كلام العرب : الستر والتغطية .

وقوله تعالى { سواء عليهم }-معناه : معتدل عندهم الإنذار وتركه . . وجيء بالاستفهام من أجل التسوية ، ومثله قوله تعالى { سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين }{[125]} . . ( . . أنذرتهم ) والإنذار : الإبلاغ والإعلام ولا يكاد يكون إلا في تخويف يتسع زمانه للإحتراز كان إشعارا ولم يكن إنذارا ؛ واختلف العلماء في تأويل هذه الآية فقيل هي عامة ومعناها الخصوص فيمن حقت عليه كلمة العذاب . . { لا يؤمنون } موضعه رفع خبر ( إن )- {[126]} .


[123]:سورة يس. من الآية 11.
[124]:سورة الزمر من الآية 22 و الآية 23.
[125]:سورة الشعراء من الآية 136.
[126]:ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القران.