لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحۡمَدُواْ بِمَا لَمۡ يَفۡعَلُواْ فَلَا تَحۡسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٖ مِّنَ ٱلۡعَذَابِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (188)

قوله عز وجل : { لا تحسبن الذين يفرحون } قرئ بالتاء على الخطاب أي لا تحسبن يا محمد الفارحين الذين يفرحون ، وقرئ بالياء على الغيبة يعني ولا يحسبن الفارحون والمعنى لا يحسبن الذين يفرحون فرحهم منجياً لهم من العذاب نزلت هذه الآية في المنافقين ( ق ) عن أبي سعيد الخدري أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا له وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا { لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا } الآية وقيل نزلت في اليهود ( ق ) عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن مروان قال اذهب يا رافع لبوابه إلى ابن عباس فقل لئن كان كل امرئ مما فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل لنعذبن أجمعون .

قال ابن عباس : مالكم . ولهذه الآية إنما نزلت هذه الآية في أهل الكتاب ثم تلا ابن عباس : { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس } الآية وتلا ابن عباس : { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } وقال ابن عباس سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا إليه بذلك وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه { بما أتوا } يعني يفرحون بما فعلوا { ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } أي ويحبون أن يحمدهم الناس على شيء لم يفعلوه قيل عنى بذلك قوماً من أحبار اليهود كانوا يفرحون بإضلالهم الناس ونسبة الناس إياهم إلى العلم قال ابن عباس : { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب إلى قوله ولهم عذاب أليم } يعني فنحاص وأسبيع وأشباههما من الأحبار الذين يفرحون بما يصيبون من الدنيا على ما زينوا للناس من الضلالة ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا أي بقول الناس لهم علماء وليسوا بأهل علم . وقيل هم اليهود فرحوا باجتماع كلمتهم على تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم . وذلك أنهم كتبوا إلى يهود العراق والشام واليمن ومن يبلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلها أن محمداً ليس بنبي فاثبتوا على دينكم فاجتمعت كلمتهم على الكفر ففرحوا بذلك ، وقالوا : نحن أهل الصوم والصلاة وأحبوا أن يحمدوا على ذلك . وقيل فرحوا بما أتوا من تبديلهم التوراة وأحبوا أن يحمدهم الناس على ذلك . وقيل أن يهود خيبر أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا نحن نعرفك ونصدقك وقالوا لأصحابه نحن على رأيكم نحن لكم ردء وليس ذلك في قلوبهم وأحبوا أن يحمدهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون على ذلك { فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب } أي فلا تظنهم بمنجاة من العذاب الذي أعده الله لهم في الدنيا من القتل والأسر وضرب الجزية والذلة والصغار { ولهم عذاب أليم } يعني في الآخرة وهذه الآية وإن كانت قد نزلت في اليهود أو المنافقين خاصة فإن حكمها عام في كل من أحب أن يحمد بما لم يفعل من الخير والصلاح أو ينسب إلى العلم وليس هو كذلك .