مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحۡمَدُواْ بِمَا لَمۡ يَفۡعَلُواْ فَلَا تَحۡسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٖ مِّنَ ٱلۡعَذَابِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (188)

والخطاب في { لاَ تَحْسَبَنَّ } لرسول الله وأحد المفعولين { الذين يَفْرَحُونَ } والثاني بمفازة ، وقوله «فلا تحسبنهم » تأكيد تقديره : لا تحسبنهم فائزين { بِمَا أَتَوْاْ } بما فعلوا وهي قراءة أبيّ و «جاء » و «أتى » يستعملان بمعنى فعل { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } [ مريم : 61 ] . { لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } [ مريم : 27 ] . وقرأ النخعي «بما آتوا » أي أعطوا { وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مّنَ العذاب } بمنجاة منه { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } مؤلم . روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل اليهود عن شيء مما في التوراة فكتموا الحق وأخبروه بخلافه وأروه أنهم قد صدقوه واستحمدوا إليه وفرحوا بما فعلوا من تدليسهم ، فأطلع الله رسوله على ذلك وسلاه بما أنزل من وعيدهم أي لا تحسبن اليهود الذين يفرحون بما فعلوا من تدليسهم عليك ويحبون أن تحمدهم بما لم يفعلوا من إخبارك بالصدق عما سألتهم عنه ، ناجين من العذاب . وقيل : هم المنافقون يفرحون بما أتوا من إظهار الإيمان للمسلمين وتوصلهم بذلك إلى أغراضهم ، ويستحمدون إليهم بالإيمان الذي لم يفعلوه على الحقيقة . وفيه وعيد لمن يأتي بحسنة فيفرح بها فرح إعجاب ويحب أن يحمده الناس بما ليس فيه .