فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحۡمَدُواْ بِمَا لَمۡ يَفۡعَلُواْ فَلَا تَحۡسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٖ مِّنَ ٱلۡعَذَابِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (188)

لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم188 ولله ملك السموات والأرض والله على كل شئ قدير189 إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب190

( ولا تحسبن الذين يفرحون ) الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكل من يصلح له قرئ بالتاء والياء وهما سبعيتان ( بما أتوا ) أي بما فعلوا من إضلال الناس ، وقد اختلف في سبب نزولها كما سيأتي ( ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا ) من التمسك بالحق وهم على ضلال ، والظاهر شمولها لكل من حصل منه ما تضمنته هذه الآية عملا بعموم اللفظ وهو المعتبر لا بخصوص السبب ، فمن فرح بما فعل ، وأحب أن يحمده الناس بما لم يفعل .

( فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ) وقرئ بالتحتية أي لا يحسبن الفرحون فرحهم منجيا لهم من العذاب ، والمفازة المنجاة مفعلة من فاز يفوز إذا نجا أي ليسوا بفائزين ، سمي موضع الخوف مفازة على جهة التفاؤل ، قاله الأصمعي ، وقيل لأنها موضع تفويز ومظنة هلاك ، تقول العرب فوز الرجل إذا هلك .

وقال ثعلب . حكيت لابن الأعرابي قول الأصمعي فقال أخطأ ، قال لي أبو المكارم : إنما سميت مفازة لن من قطعها فاز وقال ابن الأعرابي : بل لأنه مستسلم لما أصابه ، وقيل المعنى لا تحسبنهم بمكان بعيد عن العذاب ، لأن الفوز التباعد عن المكروه بل هم في مكان يعذبون فيه وهو جهنم .

( ولهم عذاب أليم ) يعني مؤلم في الآخرة .

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما قال ابن عباس سألهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن شئ فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه ان قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوه بذلك إليه وفرحوا بما أتوا من كتمان ما سألهم عنه .

وفي البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري ان رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو وتخلفوا عنه فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله ، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، وقد روى أنها نزلت في فنحاص وأسيع وأشباههما ، وروي أنها نزلت في اليهود .