بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (28)

ثم قال تعالى : { لاَّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَاء } قال ابن عباس في رواية أبي صالح : نزلت في شأن المنافقين عبد الله بن أَبيّ ابن سلول وأصحابه من أهل النفاق ، وكانوا قد أظهروا الإيمان ، وكانوا يتولون اليهود في العون والنصرة ، ويأتونهم بالأخبار ، ويرجون أن يكون لهم ظفر على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وقال مقاتل : نزلت في شأن حاطب بن أبي بلتعة وغيره ، ممن كانوا يظهرون المودة لكفار مكة ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك فقال : { لاَّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَاء } ، فهذا نهي بلفظ المغايبة ، يعني لا يتخذونهم أولياء في العون والنصرة { مِن دُونِ المؤمنين وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شيء } يعني ليس في ولاية الله من شيء . ويقال : ليس في دين الله من شيء ، لأن ولي الكافر يكون راضياً بكفره ، ومن كان راضياً بكفره ، فهو كافر مثله كقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أولياء بَعْضُهُمْ أولياء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين } [ المائدة : 51 ] .

ثم استثنى لما علم أن بعض المسلمين ، ربما يُبْتَلون في أيدي الكفار فقال تعالى : { إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تقاة } . قرأ يعقوب الحضرمي { تقية } ، وقراءة العامة { تقاة } ، ومعناهما واحد ، يعني يرضيهم بلسانه ، وقلبه مطمئن الإيمان ، فلا إثم عليه كما قال الله تعالى في آية أخرى { مَن كَفَرَ بالله مِن بَعْدِ إيمانه إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان ولكن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ النحل : 106 ] قرأ حمزة والكسائي { تقاة } بالإمالة . وقرأ الباقون بتفخيم الألف ثم قال : { وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ } يعني يخوّفكم الله بعقوبته ، أي الذي يتخذ الكافر وليّاً بغير ضرورة ، وهذا وعيد لهم . ويقال : إذا كان الوعيد مبهماً ، فهو أشد ثم قال تعالى : { وإلى الله المصير } أي مرجعكم في الآخرة ، فيجازيكم بأعمالكم .