فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (28)

قوله : { لا يَتَّخِذِ } فيه النهي للمؤمنين عن موالاة الكفار لسبب من الأسباب ، ومثله قوله تعالى : { لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً من دُونِكُمْ } الآية [ آل عمران : 118 ] ، وقوله : { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ منكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } [ المائدة : 51 ] ، وقوله : { لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله } الآية ، [ المجادلة : 22 ] وقوله : { لاَ تَتَّخِذُوا اليهود والنصارى أَوْلِيَاء } [ المائدة : 51 ] ، وقوله : { يا أيها الذين ءامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء } [ الممتحنة : 1 ] وقوله : { مِن دُونِ المؤمنين } في محل الحال ، أي : متجاوزين المؤمنين إلى الكافرين استقلالاً ، أو اشتراكاً ، والإشارة بقوله : { وَمَن يَفْعَلْ ذلك } إلى الاتحاد المدلول عليه بقوله : { لا يَتَّخِذِ } ومعنى قوله : { فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيء } أي : من ولايته في شيء من الأشياء ، بل هو منسلخ عنه بكل حال . قوله : { إِلا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تقاة } على صيغة الخطاب بطريق الالتفات ، أي : إلا أن تخافوا منهم أمراً يجب اتقاؤه ، وهو : استثناء مفرغ من أعم الأحوال . وتقاة مصدر واقع موقع المفعول ، وأصلها وقية على وزن فعلة قلبت الواو تاء ، والياء ألفاً ، وقرأ رجاء ، وقتادة «تقية » . وفي ذلك دليل على جواز الموالاة لهم مع الخوف منهم ، ولكنها تكون ظاهراً لا باطناً . وخالف في ذلك قوم من السلف ، فقالوا : لا تقية بعد أن أعز الله الإسلام . قوله : { وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ } أي : ذاته المقدسة ، وإطلاق ذلك عليه سبحانه جائز في المشاكلة ، كقوله : { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } [ المائدة : 116 ] وفي غيرها . وذهب بعض المتأخرين ، إلى منع ذلك إلا مشاكلة . وقال الزجاج : معناه : ويحذركم الله إياه ، ثم استغنوا عن ذلك بهذا ، وصار المستعمل . قال : وأما قوله : { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } فمعناه : تعلم ما عندي ، وما في حقيقتي ، ولا أعلم ما عندك ، ولا ما في حقيقتك . وقال بعض أهل العلم : معناه : ويحذركم الله عقابه مثل { واسأل القرية } [ يوسف : 82 ] فجعلت النفس في موضع الإضمار ، وفي هذه الآية تهديد شديد ، وتخويف عظيم لعباده أن يتعرضوا لعقابه بموالاة أعدائه .

/خ30