السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (28)

{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء } يوالونهم . عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في المنافقين عبد الله بن أبيّ وأصحابه كانوا يتولون اليهود والمشركين ويأتونهم بالأخبار يرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية ونهى المؤمنين أن يوالوا الكافرين لقرابة بينهم أو صداقة قبل الإسلام أو غير ذلك من الأسباب التي يتصادق بها ويتعاشر وقوله تعالى : { من دون } أي : غير { المؤمنين } إشارة إلى أنهم الأحقاء بالموالاة وأنّ في موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة والمحبة في الله والبغض في الله باب عظيم وأصل من أصول الإيمان

{ ومن يفعل ذلك } أي : يوالي الكفرة { فليس من الله } أي : من ولاية الله { في شيء } يصح أن يسمى ولاية شرعية فإنّ ولاية المتعاديين لا يجتمعان لما بينهما من التضاد كما قال القائل :

فليس أخي من ودّني رأي عينه *** ولكن أخي من ودّني في المغايب

تودّ عدوّي ثم تزعم أنني *** صديقك ليس النوك عنك بعازب

بعين مهملة وزاي أي : بغائب والنوك بضم النون الحمق والجنون ثم استثنى فقال : { إلا أن تتقوا منهم تقاة } أي : إلا أن تخافوا منهم مخافة فلكم موالاتهم باللسان دون القلب كما قال عيسى عليه الصلاة والسلام : كن وسطاً أي : في معاشرتهم ومخالفتهم وامش جانباً أي : من موافقتهم فيما يأمرون ويذرون وهذا قبل عزة الإسلام ويجري في بلد ليس قوياً فيها ، قال معاذ بن جبل ومجاهد : كانت التقية في بدء الإسلام قبل استحكام الدين وقوّة المسلمين وأمّا اليوم فقد أعز الله الإسلام فليس ينبغي لأهل الإسلام أن يتقوا من عدوّهم { ويحذركم الله } أي : يخوّفكم { نفسه } أن يغضب عليكم إن واليتموهم { وإلى الله المصير } أي : المرجع فيجازيكم فلا تتعرّضوا للسخط بمخالفة أحكامه وموالاة أعدائه وهو تهديد عظيم مشعر بتناهي المنهي عنه في القبح وذكر النفس ليعلم أن المحذر منه عقاب يصدر منه فلا يبالي عنده بما يحذر من الكفرة .