الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (28)

وقوله تعالى : { لاَّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَاءَ . . . } [ آل عمران :28 ] . هذا النهْيُ عن الاِتخاذِ ، إِنما هو عن إِظهار اللُّطْفِ للكفَّار ، والميلِ إِليهم ، فأما أنْ يتخذوا بالقَلْب فلا يفعل ذلك مؤمن ، ولفظ الآية عامٌّ في جميع الأعصار ، واختلف في سَبَب نزولها ، فقال ابنُ عَبَّاس : في كَعْبِ بْنِ الأَشْرَف ، وغيره : قد بطنوا بنَفَرٍ من الأنصار ، ليفتنُوهم عن دِينِهِمْ ، فنزلَتْ في ذلك الآيةُ ، وقال قومٌ : نزلَتْ في قصَّة حاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ ، وكتابِه إلى أهْل مكَّة ، والآيةُ عامَّة في جميع هذا .

وقوله تعالى : { فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ } معناه : في شيءٍ مَرْضِيٍّ ، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ غَشَّنَا ، فَلَيْسَ مِنَّا ) . ثم أباح سبحانه إِظهار اتخاذهم ، بشرط الاِتقاءِ ، فأما إِبطانه فلا يصحُّ أن يتصف به مؤمنٌ في حالٍ .

وقوله تعالى : { وَيُحَذِّرُكُمُ الله . . . } إلى آخر الآية : وعيدٌ ، وتنبيهٌ ، ووعظٌ ، وتذكيرٌ بالآخرة .

وقوله : { نَفْسَهُ } نائبةٌ عن «إيَّاهُ » ، وهذه مخاطبةٌ على معهود ما يفهمه البشَرُ ، والنَّفْسُ في مثْلِ هذا راجعٌ إِلى الذاتِ ، وفي الكلامِ حذْفُ مضافٍ ، لأن التحذير إِنما هو من عقابٍ ، وتنكيلٍ ، ونحوه ، قال ابنُ عَبَّاس ، والحسن : ويحذِّركم اللَّه عقابه .