( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء ) فيه النهي للمؤمنين عن موالاة الكفار بسبب من أسباب المصادقة والمعاشرة كقرابة أو صداقة جاهلية ونحوهما ، وعن الاستعانة بهم في الغزو وسائر الأمور الدينية ، ومثله قوله تعالى ( لا تتخذوا بطانة من دونكم ) الآية وقوله ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) وقوله ( لا تجد قوما يؤمنون بالله ) الآية وقوله ( لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ) وقوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) ،
( من دون المؤمنين ) أي متجاوزين المؤمنين إلى الكافرين استقلالا أو اشتراكا ( ومن يفعل ذلك ) الاتخاذ المدلول عليه بقوله لا يتخذ ( فليس من الله ) أي من ولايته وقيل من دينه وقيل التقدير ليس كائنا من الله ( في شيء ) من الأشياء هو منسلخ عنه بكل حال ، وبرئ الله منه ، وهذا أمر معقول إذ موالاة الله وموالاة الكفار ضدان لا يجتمعان .
( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) على صيغة الخطاب بطريق الالتفات أي إلا أن تخافوا منهم أمرا يجب اتقاؤه وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال وتقاة مصدر واقع موقع المفعول به ، وهو ظاهر قول الزمخشري وزنه فعلة ويجمع على تقي كرطبة ورطب ، وأصله وقيه لأنه من الوقاية ، والتقوى والتقى واحد ، و التقاة التقية يقال أتقي تقيه و تقاة .
وفي القاموس اتقيت الشيء أتقيه من باب ضرب ، وفي ذلك دليل على جواز الموالاة لهم مع الخوف منهم و لكنها تكون ظاهرا لا باطنا ، وخالف في ذلك قوم من السلف فقالوا لا تقية بعد أن أعز الله الاسلام .
عن ابن عباس قال التقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية الله فيتكلم به مخافة الناس ، وقلبه مطمئن بالإيمان فإن ذلك لا يضره ، إنما التقية باللسان ، وعنه قال التقاة التكلم باللسان ، والقلب مطمئن بالإيمان ولا يبسط يده فيقتل ولا إلى إثم فإنه لا عذر له .
وعن أبي العالية قال :التقية باللسان وليس بالعمل ، وقال قتادة إلا أن تكون بينك وبينه قرابة فتصله لذلك .
و أخرج عبد بن حميد والبخاري عن الحسن قال التقية جائزة إلى يوم القيامة . وحكى البخاري عن أبي الدرداء أنه قال إنا لنكشر{[315]} وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم .
ويدل على جواز التقية قوله تعالى ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ) ومن القائلين بجواز التقية باللسان أبو الشعثاء والضحاك والربيع ابن أنس .
وعن ابن عباس قال نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار ويتخذونهم وليجة من دون المؤمنين إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين فيظهرون لهم اللطف ويخالفونهم في الدين ، وذلك قوله تعالى ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) .
ومعنى الآية أن الله نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم إلا أن يكونوا غالبين أو يكون المؤمن في قوم كفار فيداهنهم بلسانه ، وقلبه مطمئن بالإيمان دفعا عن نفسه من غير أن يستحل دما أو مالا حراما أو غير ذلك من المحرمات أو يظهر الكفار على عورة المسلمين ، والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل مع سلامة النية .
ثم هذه التقية رخصة فلو صبر على إظهار إيمانه حتى قتل كان له بذلك أجر عظيم .
وقال سعيد بن جبير ليس في الأمان التقية إنما التقية في الحرب ، وقيل إنما تجوز التقية لصون النفس عن الضرر لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان .
( ويحذركم الله نفسه ) أي ذاته المقدسة أن تعصوه بأن ترتكبوا المنهي عنه أو تخالفوا المأمور به ، أو توالوا الكفار فتستحقوا عقابه على ذلك كله ، وإطلاق النفس عليه سبحانه جائز في المشاكلة كقوله ( تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) وفي غيرها .
وذهب بعض المتأخرين إلى منع ذلك إلا مشاكلة ، وقال الزجاج معناه يحذركم الله إياه ، ثم استغنوا عن ذلك بهذا وصار المستعمل ، قال : وأما قوله ( تعلم ما في نفسي ، الخ فمعناه تعلم ما عندي وما في حقيقتي ولا أعلم ما عندك ولا ما في حقيقتك ) .
وقال بعض أهل العلم معناه ويحذركم الله عقابه ، مثل ( واسأل القرية ) فجعلت النفس في موضع الإضمار ، والنفس عبارة عن وجود الشئ وذاته ، وذكر النفس للإيذان بأن له عقابا هائلا لا يؤبه دونه بما يحذر من الكفرة ( وإلى الله المصير ) في هذه الآية تهديد شديد وتخويف عظيم لعباده أن يتعرضوا لعقابه بموالاة أعدائه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.