صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

{ فلذلك فادع } أي فلأجل هذا التفرق والتشعب فادع إلى التوحيد ، وإلى الاتفاق على الملة

الحنيفية . { واستقم } ألزم المنهج المستقيم ، الذي لا عوج فيه ولا انحراف . { لا حجة بيننا وبينكم } لا احتجاج ولا خصومة بيننا وبينكم ؛ لأن الحق قد ظهر ، فلم يبق للاحتجاج حاجة ، ولا للمخالفة محمل سوى المكابرة والعناد .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

قوله تعالى : { فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } .

هذه الآية من عظيمات الآيات المشتملة على فيض من المعاني الجليلة العظام . وهي تتضمن عشرا من المعاني المستقلة . فقالوا : لا نظير لها في هذه الصفة إلا آية الكرسي ؛ فهي كذلك عشرة فصول كهذه . وتلكم هي الآيات وهي : قوله : { فَلِذَلِكَ فَادْعُ } أي ادع إلى ما أوحينا إليك من الكتاب الحكيم ، والدين القويم ، دين الإسلام الكامل العظيم ؛ فهو جماع الخير والحق والصلاح والرحمة بما حواه من قواعد وأسس ثوابت تراعي فطرة الإنسان وتحقق للبشرية كامل السعادة والنجاة والصلاح في المعاش والمعاد .

قوله : { وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } أي استقم على عبادة الله وطاعته والامتثال لأوامره . أو استقم على تبليغ الرسالة . رسالة الإسلام العظيم ؛ بعقيدته الراسخة المرغوبة وتشريعه الكبير الشامل .

قوله : { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } يحذِّر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في كل زمان ، أهواء المشركين والظالمين والمضلين . يحذِّرُ الله عباده المؤمنين على مرِّ الزمن شرَّ الافتتان بالطغاة والمفسدين والمجرمين من الناس . أولئك الذين يريدون للإسلام أن يتزعزع ويتبدَّد وينهار ، وللمسلمين أن يضعفوا ويتهافتوا تحت ضربات الضلال والفتنة والإغواء لكي يزيغوا عن دينهم الإسلام فيركبوا متن الباطل والإباحية والردة جريا وراء الكافرين على اختلاف مللهم وأهوائهم وأحزابهم ومسمياتهم .

يحذِّر الله المؤمنين على الدوام أهواء الكافرين المضلين الذين يكيدون للإسلام والمسلمين بالغ الكيد .

قوله : { وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ } أي صدَّقت بسائر الكتب السماوية المنزلة من عند الله على النبيين والمرسلين . فلا نفرِّقُ في ذلك بين أحد منهم ؛ فكلهم مرسلون صادقون مؤتمنون .

قوله : { وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } أمرني ربي أن أعدل بينكم في الحكم فأقضي بالحق والصدق . ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالا تحتذي به البشرية في العدل وإحقاق الحق بين الناس . فقد كان أبعد الخلْق عن الحيف والجور . ولم يعرف الثَّقَلان من أهل هذه الأرض أحدا أعدل وأصدق وأعظم استقامة من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قوله : { اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } أي الله مالكنا ومالككم . وهو يخاطب بذلك أهل الكتابين ، والتوراة والإنجيل . والمراد أن يقال لهم : إننا مقرّون لله بالوحدانية والربوبية فهو وحده المعبود لا إله غيره .

قوله : { لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } أي لنا جزاءُ ما اكتسبنا ولكم جزاء ما اكتسبتم . فنحن براء من أعمالكم وأنتم براء من أعمالنا .

قوله : { لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } أي لا خصومة بيننا وبينكم . فقد ظهر الحق واتضح البرهان فلم يبق بعد ذلك إلا العناد منكم . وليس بعد العناد من حجة أو خصومة أو جدال .

قوله : { وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } إلى الله المرجع والمعاد يوم الحساب{[4093]} .


[4093]:تفسير ابن كثير ص 109 وتفسير الطبري ج 25 ص 12