{ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله } أي منعوا غيرهم عن الإسلام . ويدخل فيهم المطمعون يوم بدر دخولا أوليا ؛ من الصد . يقال : صده عن الأمر صدا ، منعه وصرفه عنه ؛ كأصد . أو أعرضوا عن الإسلام ؛ من الصدود . يقال : صد عنه صدودا ، أعرض . { أضل أعمالهم } أبطل ما عملوه من الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ كالإنفاق الذي فعلوه في تلك الغزوة لمحاربته – بنصرته لرسوله الله صلى الله عليه وسلم ، وإظهار دينه على الدين كله . أو جعل ما كانوا يعملونه من أعمال البر والمكارم ضلالا ، أي غير هدى وغير رشاد ؛ لأنهم عملوه على غير استقامة . من الضلال ، وأصله العدول عن الطريق المستقيم ، وضده الهداية .
سورة محمد مدنية وآياتها ثمان وثلاثون ، نزلت بعد سورة الحديد . وهي مرتبطة بآخر السورة السابقة ، حتى لو أسقطت البسملة من بينهما لكان الكلام متصلا بسابقه لا تنافر فيه . ولها اسم آخر وهو : { سورة القتال } وهو اسم حقيقي لها ، لأن موضوعها القتال . وهو العنصر الأساسي فيها ، والمحور الذي تدور عليه السورة الكريمة .
تبدأ السورة ببيان حقيقة الذين كفروا ، وحقيقة الذين آمنوا ، وأن الله تعالى أبطل أعمال الذين كفروا لأنهم اتبعوا الباطل ، وكفّر عن المؤمنين لأنهم اتبعوا الحق . ثم بينت السورة بإسهاب وجوب الدفاع عن الحق ، وأن جزاء ذلك في الآخرة دخول الجنة ، وحرّضت المؤمنين على نصر دين الله والقتال في سبيله .
وفيها إعلان الحرب من الله تعالى على الذين كفروا ، وقتلهم وأسرهم ، وعلى المؤمنين أن يحاربوهم : { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب . . الآية } .
ومع هذا الأمر يبين الله حكمة القتال ويشجع عليه ، وتكريم الاستشهاد في سبيل الله ، وإكرام الشهداء ، والنصر لمن يخوض المعركة انتصارا لله ، وإهلاك الكافرين وإحباط أعمالهم .
ثم بعد ذلك يأتي الحديث عن المنافقين الذين كانوا يؤلفون مع اليهود خطرا كبيرا على المسلمين في المدينة أول الأمر . وتبين السورة هلعهم وجُبنهم وتهافتهم إذا ووجهوا بالقرآن يكلفهم القتال ، وهم يتظاهرون بالإيمان . تفضحهم السورة في تولّيهم للشيطان وتآمرهم مع اليهود ، ويهددهم الله بالعذاب عند الموت ، ومن ثم يحذّر المؤمنين أن يصيبهم مثل ما أصاب أعداءهم { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، ولا تُبطلوا أعمالكم } . وتُختم السورة بما يشبه التهديد للمسلمين إذا بخلوا بإنفاق المال ، والبذل في القتال ، فالله غير عاجز عن أن يُذهبهم ويأتي بخير منهم : { ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ، والله الغني وأنتم الفقراء ، وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ، ثم لا يكونوا أمثالكم } .
صدوا عن سبيل الله : صرفوا الناس عن الإسلام .
قسم الله الناس فريقين : أهلَ الكفر الذين صدّوا الناسَ عن دين الله ، وبيّن أن هؤلاء قد أبطلَ أعمالهم .
سورة{[1]} محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وتسمى القتال و{[2]}تسمى أيضا{[3]} الذين كفروا .
مقصودها التقدم إلى المؤمنين في حفظ حظيرة الدين بإدامة الجهاد للكفار ، حتى يلزموهم الصغار ، أو يبطلوا{[4]} ضلالهم كما أضل [ الله-{[5]} ] أعمالهم ، لا سيما أهل الردة الذين [ فسقوا عن محيط الدين إلى -{[6]} ] أودية الضلال المبين ، والتزام{[7]} هذا الخلق الشريف إلى أن تضع الحرب أوزارها بإسلام أهل الأرض كلهم بنزول{[8]} عيسى عليه الصلاة والسلام ، وعلى ذلك دل اسمها " الذين كفروا " لأن من المعلوم أن من صدك عن سبيلك قاتلته و[ أنك-{[9]} ] إن لم تقاتله كنت مثله ، واسمها محمد واضح في ذلك لأن الجهاد كان خلقه عليه/أفضل الصلاة والسلام إلى أن توفاه الله تعالى وهو نبي الرحمة بالملحمة لأنه لا يكون حمد وثم نوع ذم كما تقدم تحقيقه في سورة فاطر وفي سبأ وفي الفاتحة ، ومتى كان كف عن أعداء الله [ كان-{[10]} ] الذم ، [ و-{[11]} ] أوضح أسمائها في هذا المقصد القتال ، فإن من المعلوم أنه لأهل الضلال { بسم الله } الملك الأعظم الذي [ أقام-{[12]} ] جنده للذب عن حماه { الرحمن } الذي عمت رحمته تارة بالبيان وأخرى بالسيف والسنان { الرحيم } الذي خص حزبه بالحفظ في طريق الجنان .
لما أقام سبحانه الأدلة في الحواميم حتى صارت كالشمس ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، وختم بأنه لا يهلك بعد هذه الأدلة إلا القوم{[13]} الفاسقون ، افتتح هذه بالتعريف بهم فقال سبحانه وتعالى :
فقال سبحانه وتعالى : { الذين كفروا } أي ستروا أنوار الأدلة فضلوا على{[59255]} علم { وصدوا } أي امتنعوا بأنفسهم ومنعوا غيرهم لعراقتهم في الكفر { عن سبيل الله } أي الطريق الرحب المستقيم الذي شرعه الملك الأعظم { أضل } أي أبطل إبطَّالاً عظيماً يزيل العين والأثر-{[59256]} { أعمالهم * } التي هي أرواحهم المعنوية وهي كل شيء يقصدون به نفع أنفسهم من جلب نفع أو دفع ضر بعد أن وفر سيئاتهم وأفسد بالهم ، ومن جملة أعمالهم ما يكيدونكم به لأنها إذا ضلت عما قصدوا بها بجعله سبحانه لها ضالة ضائعة هلكت من جهة أنها ذهبت في المهالك ومن جهة{[59257]} أنها ذهبت في غير الجهة التي قصدت لها فبطلت منفعتها المقصودة منها فصارت هي باطلة فأذهبوا أنتم أرواحهم{[59258]} الحسية بأن تبطلوا صورهم وأشباحهم بأن تقطعوا أوصالهم وأنتم في غاية الاجتراء عليهم ، فإن ربهم الذي أوجدهم قد أبطلهم وأذن لكم في إبطالهم ، فإنه قد علم أن لا صلاح لهم والمؤذي طبعاً يقتل شرعاً ، فمن قدرتم على قتله فهو محكوم بكفره ، محتوم بخيبته وخسره .
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : {[59259]}لما انبنت{[59260]} سورة الأحقاف على ما ذكر من مآل من كذب وافترى {[59261]}وكفر{[59262]} وفجر ، وافتتحت السورة بإعراضهم ، ختمت بما قد-{[59263]} تكرر من تقريعهم وتوبيخهم ، فقال تعالى : { ألم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى{[59264]} } أي لو اعتبروا بالبداءة لتيسر عليهم أمر العودة ، ثم ذكر عرضهم على النار إلى{[59265]} قوله { فهل يهلك إلا القوم الفاسقون } فلما ختم بذكر هلاكهم ، افتتح السورة الأخرى بعاجل ذلك اللاحق لهم في دنياهم فقال تعالى : { فإذا{[59266]} لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق {[59267]}فإما منّاً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها{[59268]} } الآية بعد ابتداء السورة بقوله { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم } فنبه على أن أصل محنتهم إنما هو بما أراده تعالى بهم في سابق علمه ليعلم المؤمنون أن الهدى{[59269]} والضلال بيده{[59270]} ، فنبه على الطريقين بقوله { أضل أعمالهم } وقوله في الآخر{[59271]} { كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم } ثم بين {[59272]}أنه تعالى{[59273]} لو شاء لانتصر منهم ولكن{[59274]} أمر المؤمنين بقتالهم ابتلاء واختباراً ، ثم حض المؤمنين على ما أمرهم به من ذلك فقال : { إن تنصروا الله ينصركم } ثم التحمت الآي - انتهى .