التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مدنية ، وآياتها تسع وثلاثون آية . وهي فيها من عظيم الأحكام والأخبار والواعظ ما فيه مزدجر وذكرى لأولى الطبائع السليمة . فضلا عن حلاوة النغم الذي يتجلى في حرف الميم من خواتيم الآيات في هذه السورة . لا جرم أن هذا الجرس الموحي ينشر في أطواء النفس ظلالا من نسائم شتى من البهجة والرهبة والإدّكار .

على أن السورة مبدوءة بالإشارة إلى حبوط الأعمال للكافرين ، وإن صلحت أو كثرت فإنه ما من عمل من الصالحات يأتيه كافر إلا كان صائرا إلى البطلان والحبوط . بخلاف المؤمن فإنه يجزى بعمله خير الجزاء . وتتضمن السورة تحريضا للمؤمنين على قتال الكافرين في ساحات الجهاد ليثخنوا فيهم القتل وليشدوا فيهم وثاق الأسارى منهم . ولهم بعد ذلك الخيار في المن أو المفاداة أو القتل ، تبعا لما يقتضيه مصلحة الإسلام والمسلمين .

وفي السورة وصف للجنة ونعيمها الدائم ، فإن فيها من الخيرات والطيبات ومحاسن العيش الراغد ما تعجز عن تصوره أذهان البشر ويعز على القلم أن يصفها . وفي مقابلة ذلك عذاب جهنم وما فيها من شديد الويلات وعظائم الأمور . وتتضمن السورة كذلك كشفا لحقيقة المنافقين الذين فسدت فيهم الأرواح والطبائع وتبلدت فيهم الضمائر والقلوب فما يستمرئون بعد ذلك الخداع والغش والتحيّل . إلى غير ذلك من الحقائق والأفكار والأخبار والمواعظ والتحذير .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم1 والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم 2 ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم } .

يبين الله في ذلك أن الكافرين لا قيمة ولا وزن لأعمالهم وإن كانت في الخير ، فإنهم مع كفرهم وتكذيبهم بدين الله وبعقيدة التوحيد ، وإنكارهم لليوم الآخر لن يتقبل الله منهم عملا فما جزاؤهم عقب ذلك كله إلا النار . وهو قوله : { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم } والمراد بذلك عموم الكافرين الذين يصدون الناس عن دين الله وهو الإسلام ، ويكرّهون إلى البشرية عقيدة التوحيد ، ومنهج الحق ليجتنبوه اجتنابا ، ولينحرفوا عنه أيما انحراف . أولئك الأشقياء المضلون عن سبيل الله وهو الإسلام { أضل أعمالهم } أي جعل الله أعمالهم ضلالا وضياعا فلا وزن لها ولا اعتبار . وهي بذلك هباء منثورا ليس لها في ميزان الله أيما قيمة ولو بمثقال قطمير ، لأن شرط القبول معدوم من أعمالهم وهو الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر والتصديق الكامل بمنهج الله وهو الإسلام . فما يعلمه المرء في كفره أو نفاقه من وجوه الأعمال النافعة كصلة الأرحام وإطعام الجياع والأضياف والمحاويج وبناء الدور لأهل الحاجة وغير ذلك من وجوه الخير والمعروف ، كل ذلك ليس له عند الله أيما وزن أو اعتبار .

وقيل : أبطل الله كيد الكافرين الذين يمكرون بالإسلام والمسلمين ، وجعل الدائرة عليهم .