صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

{ يوم يجمعكم ليوم الجمع } أي لتنبؤن بما عملتم ، يوم يجمعكم في اليوم الذي يجتمع فيه الأولون والآخرون للحساب والجزاء . وهو يوم القيامة . { ذلك يوم التغابن } أي يوم غبن فيه بعض الناس بعضا ؛ بنزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء ، ونزول الأشقياء منازل السعداء التي كانوا ينزلونها لو كانوا أشقياء . مستعار من تغابن القوم في التجارة : إذا غبن بعضهم بعضا فيها ؛ وفعله من باب ضرب . وفيه تهكم بالأشقياء ؛ لأنهم بنزولهم منازلهم من النار لا يغبنون السعداء .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

يوم الجمع : يوم القيام .

يوم التغابن : هو يوم القيامة ، وسُمي بذلك لأن أهلَ الجنة تغبن فيه أهل النار بما يصير إليه أهل الجنة من النعيم وما يلقى أهل النار من العذاب في الجحيم . وأصل الغَبن : النقص ، غبن فلان فلاناً في البيع : نقصه حقه . والخلاصة أنه في ذلك اليوم يظهر الربح والخسران ، فيربح المؤمنون ، ويخسر الجاحدون الكافرون .

ثم أنذر بأنه تعالى يجمعهم يومَ القيامة ، يوم يظهر ربح الرابحين وخسران المبطلين فقال :

{ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجمع ذَلِكَ يَوْمُ التغابن }

في ذلك اليوم يُغبن الكافرون ويربح المؤمنون ، وما أعظمه من ربح ! ! إنه لا غبنَ أعظم من أن قوما ينعمون ، وقوما يعذَّبون ، ذلك هو الخسران المبين . ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يُذهب عنه سيئاته { وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الفوز العظيم } ذلك هو الفوز الذي لا فوز بعده ، { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَاز } [ آل عمران : 185 ] .

قراءات :

قرأ يعقوب : يوم نجمعكم بالنون ، والباقون : يجمعكم بالياء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

{ 9-10 } { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }

يعني : اذكروا يوم الجمع الذي يجمع الله به الأولين والآخرين ، ويقفهم موقفًا هائلاً عظيمًا ، وينبئهم بما عملوا ، فحينئذ يظهر الفرق والتفاوت بين الخلائق ، ويرفع أقوام إلى أعلى عليين ، في الغرف العاليات ، والمنازل المرتفعات ، المشتملة على جميع اللذات والشهوات ، ويخفض أقوام إلى أسفل سافلين ، محل الهم والغم ، والحزن ، والعذاب الشديد ، وذلك نتيجة ما قدموه لأنفسهم ، وأسلفوه أيام حياتهم ، ولهذا قال : { ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ } .

أي : يظهر فيه التغابن والتفاوت بين الخلائق ، ويغبن المؤمنون الفاسقين ، ويعرف المجرمون أنهم على غير شيء ، وأنهم هم الخاسرون ، فكأنه قيل : بأي شيء يحصل الفلاح والشقاء والنعيم والعذاب ؟

فذكر تعالى أسباب ذلك بقوله : { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ } [ أي : ] إيمانًا تامًا ، شاملاً لجميع ما أمر الله بالإيمان به ، { وَيَعْمَلْ صَالِحًا } من الفرائض والنوافل ، من أداء حقوق الله وحقوق عباده . { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } فيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، وتختاره الأرواح ، وتحن إليه القلوب ، ويكون نهاية كل مرغوب ، { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

{ يوم يجمعكم ليوم الجمع } يعني يوم القيامة ، يجمع فيه أهل السماوات والأرض ، { ذلك يوم التغابن } وهو تفاعل من الغبن ، وهو فوت الحظ ، والمراد بالمغبون من غبن عن أهله ومنازله في الجنة ، فيظهر يومئذ غبن كل كافر بتركه الإيمان ، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان ، { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار } قرأ أهل المدينة والشام : { نكفر } { وندخله } وفي سورة الطلاق ندخله بالنون فيهن ، وقرأ الآخرون بالياء ، { خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم . }

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يوم يجمعكم ليوم الجمع} يعني جمع أهل السماوات وجمع أهل الأرض {ذلك يوم التغابن} يعني أهل الهدى تغبن أهل الضلالة، فلا غبن أعظم منه فريق في الجنة، وفريق في السعير، {ومن يؤمن بالله} أنه واحد لا شريك له {ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا} لا يموتون و {ذلك} الثواب الذي ذكر الله تعالى هو {الفوز العظيم}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: والله بما تعملون خبير" يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجِمْعِ "الخلائق للعرض. "ذلكَ يَوْمَ التّغابُنِ" يقول: الجمع يوم غَبْن أهلِ الجنة أهلَ النار...

وقوله: "وَمَنْ يُؤمِنْ باللّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحا" يقول تعالى ذكره: ومن يصدّق بالله ويعمل بطاعته، وينته إلى أمره ونهيه "يُكَفّرْ عَنْهُ سَيّئاتِهِ" يقول: يمح عنه ذنوبه "وَيُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِها الأنهارُ" يقول: ويُدخله بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار.

وقوله: "خالِدينَ فِيها أبَدا" يقول: لابثين فيها أبدا، لا يموتون، ولا يخرجون منها.

وقوله: "ذلكَ الفَوْزُ العَظِيمُ" يقول: خلودهم في الجنات التي وصفنا النجاء العظيم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

التغابن عندنا يجوز أن يكون معناه أن أهل الكفر يغبنون في أهلهم وأموالهم في الآخرة، لأنهم كانوا يتعاونون بهم في الدنيا، فحسبوا أنهم يكونون كذلك في الآخرة، فإذا لم يجدوا، وصار بعضهم يلعن بعضا، غبنوا ما كانوا يأملون منهم...

ويحتمل أنه إنما سماه يوم التغابن لأن الدنيا جعلت أسواقا، والأحوال التي تكون لهم رؤوس الأموال، والأعمال التي يعملون فيها، ويكتسبون، تجارة... فإذا كانت الدنيا متجرة، والآخرة هي التي تقسم فيها الأرباح، ففي ذلك يقع الربح والخسران، ويظهر الغبن والفضل والنقصان والزيادة، والله أعلم. وسماه يوم التغابن لما يظهر لهم في ذلك أنهم خسروا، أو ربحوا، فلا يظهر لهم ذلك في الدنيا. ثم بين العمل الذي يربح عليه والعمل الذي يخسر به والتجارة التي يوصل بها إلى الأرباح والتي يلحق بها الخسران، وهو ما قال: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار} الآية، وقال: {والذين كفرا وكذبوا بآياتنا} الآية [التغابن: 10]...

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

{لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} وهو تفاعل من الغبن وهو فوت الحظ والمراد، وقد ورد في تفسير التغابن عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما أخبرنا الحسن بن محمّد قال: حدّثنا موسى بن محمد بن علي قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن سنان قال: حدّثنا كثير بن يحيى قال: حدّثنا أَبُو آمنة بن معلّى الثقفي قال: حدّثنا سعيد بن أبي سعيد المنقري عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد مؤمن يدخل الجنّة إلاّ أُري مقعده من النّار لو أساء ليزداد شكراً، وما من عبد يدخل النّار إلاّ أُري مقعده من الجنّة لو أحسن ليزداد حسرة". قال المفسّرون: من غبن أهله منازله في الجنّة فيظهر يومئذ غبن كلّ كافر ببركة الإيمان، وغبن كلّ مؤمن بتقصيره في الإحسان وتضييعه الأيّام...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

(ذلك يوم التغابن) والتغابن هو التفاوت في أخذ الشيء بدون القيمة، والذين أخذوا الدنيا بالآخرة بهذه الصفة في أنهم أخذوا الشيء بدون القيمة، فقد غبنوا أنفسهم بأخذ النعيم المنقطع بالدائم وأغبنهم الذين اشتروا الآخرة بترك الدنيا المنقطع إليها من هؤلاء الذين تغابنوا عليها... (ذلك الفوز العظيم) أي النجاح الذي ليس وراءه شيء من عظمه...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

المطيعُ – يومئذٍ ِ- في غبن لأنه لم يستكثر من الطاعة، والعاصي في غبن لأنه استكثر من الزلَّة...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

التغابن: مستعار من تغابن القوم في التجارة؛ وهو أن يغبن بعضهم بعضاً، لنزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء، ونزول الأشقياء منازل السعداء التي كانوا ينزلونها لو كانوا أشقياء. وفيه تهكم بالأشقياء؛ لأنّ نزولهم ليس بغبن...

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

المسألة الْأُولَى: قَالَ عُلَمَاءُ التَّفْسِيرِ: إنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَبْنُ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَهْلَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. الْمَعْنَى أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ أَخَذُوا الْجَنَّةَ، وَأَخَذَ أَهْلُ النَّارِ النَّارَ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَادَلَةِ، فَوَقَعَ الْغَبْنُ، لِأَجْلِ مُبَادَلَتِهِم الْخَيْرَ بِالشَّرِّ، وَالْجَيِّدَ بِالرَّدِيءِ، وَالنَّعِيمَ بِالْعَذَابِ، عَلَى مَنْ أَخَذَ الْأَشَدَّ وَحَصَلَ عَلَى الْأَدْنَى. فَإِنْ قِيلَ: فَأَيُّ مُعَامَلَةٍ وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَقَعَ الْغَبْنُ فِيهَا؟ قُلْنَا وَهِيَ:

المسألة الثَّانِيَةُ: إنَّمَا هَذَا مَثَلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْخَلْقَ مُنْقَسِمِينَ عَلَى دَارَيْنِ: دُنْيَا، وَآخِرَةٍ...

فَرِيقٌ لِلْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ لِلنَّارِ، وَمَنَازِلُ الْكُلِّ مَوْضُوعَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ؛ فَإِنْ سَبَقَ التَّوْفِيقُ حَصَلَ الْعَبْدُ من أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَكَانَ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ سَبَقَ الْخِذْلَانُ عَلَى الْعَبْدِ الْآخَرِ فَيَكُونُ من أَهْلِ النَّارِ، فَيَحْصُلُ الْمُوَفَّقُ عَلَى مَنْزِلِ الْمَخْذُولِ، وَيَحْصُلُ لِلْمَخْذُولِ مَنْزِلُ الْمُوَفَّقِ فِي النَّارِ، فَكَأَنَّهُ وَقَعَ التَّبَادُلُ، فَحَصَلَ التَّغَابُنُ. وَالْأَمْثَالُ مَوْضُوعَةٌ لِلْبَيَانِ فِي حُكْمِ الْقُرْآنِ وَاللُّغَةِ؛ وَذَلِكَ كُلُّهُ مَجْمُوعٌ من نَشْرِ الْآثَارِ. وَقَدْ جَاءَتْ مُتَفَرِّقَةً فِي هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} الذي يجمع فيه الناس ليوم الفصل، {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} الذي يفكر فيه كل فرد بأن الفرصة التي منحها الله له في الدنيا، في ما أعطاه من عمر وهيّأه له من إمكاناتٍ، كانت تحمل في داخلها الكثير مما كان يمكنه الحصول على نتائجه في الآخرة، بالمستوى الذي يعتبر فيه نفسه مغبوناً، إذا قارنها بالنتائج الحاضرة التي حصل عليها الآن، سواء أكانت نتائج إيجابية لأنه كان قادراً على أن يحصل على الأفضل منها، أم كانت نتائج سلبية لأنه كان متمكناً من الحصول على النتائج الإيجابية بدرجاتها المتفاوتة، فتكون المسألة أن الجميع لم يقدّروا الفرصة التي فاتت حق قدرها، تماماً كمن باع سلعته بأقل من ثمنها، حيث يعتبر مغبوناً. وفسره البعض بأن اعتبر التغابن بين أهل الضلال: متبوعيهم وتابعيهم، فالمتبوعون وهم المستكبرون يغبنون تابعيهم وهم الضعفاء، حيث يأمرونهم بأخذ الدنيا وترك الآخرة، فيضلون، والتابعون يغبنون المتبوعين حيث يعينونهم في استكبارهم باتباعهم فيضلون، فكل من الفريقين غابن لغيره ومغبون من غيره.

ولعل الأساس في هذا الوجه هو ملاحظة صيغة التفاعل في كلمة التغابن، ولكن الظاهر أنها لم ترد بهذا المعنى، لأن الظاهر أنّ المخاطب به كل فردٍ ممن يجمعهم الله، حيث يواجه الناس مواقعهم في يوم القيامة، فيحس كل إنسان بأنه مغبون في ما حصل عليه، لأن من الممكن أن يكون حظه أكبر...

{وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ} على أساس القاعدة الشرعية القرآنية: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السيِّئَاتِ} [هود: 114]، فيرفع الله عن الإنسان سيئاته ببركة حسناته، {وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً} وهو الجزاء الكبير على استقامته في خط الإيمان والعمل الصالح. {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي يمثّل العنوان الكبير للنتيجة الطيبة التي يحصل عليها المؤمنون الصالحون، في مواجهة الخسارة التي تحصل للكافرين،

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

وقوله { يوم التغابن } يغبن فيه أهل الجنة أهل النار بأخذ منازلهم التي كانت لهم في الجنة لو آمنوا ويغبن من ارتفعت منزلته في الجنة من كان دون منزلته فيظهر في ذلك اليوم غبن كل كافر بترك الايمان وغبن كل مؤمن بتقصيره

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

ولما أخبر بالبعث وأقسم عليه ، وأشار إلى دليله السابق ، وسبب عنه ما ينجي في يومه ، ذكر يومه وما يكون فيه ليحذر{[65764]} فقال متبعاً ما مضى من دعائم الإيمان دعامة اليوم الآخر واعظاً{[65765]} لمن يقول : يا ليت شعري ما حالي بعد ترحالي ؟ وقامعاً لمن يقول : لا حال بعد الترحال ، بالإعلام بأنها أحوال أي أحوال ، تشيب{[65766]} الأطفال ، وتقصم ظهور الرجال ، بل تهد شم الجبال : { يوم } أي تبعثون في يوم { يجمعكم } أي أيها الثقلان . ولما كان الوقت المؤرخ به فعل من الأفعال إنما يذكر لأجل ما وقع فيه ، صار كأنه علة لذلك الفعل فقال تعالى : { ليوم الجمع } لأجل ما يقع في ذلك اليوم{[65767]} الذي يجمع فيه أهل السماوات وأهل الأرض من الحساب والجزاء الذي يكون فوزاً لناس فيكونون غابنين ، ويكون خيبة لناس فيكونون مغبونين ، وكل منهم يطلب أن يكون غابناً .

ولما كان هذا المقصد أمراً عظيماً مقطعاً ذكره الأكباد ، قال تعالى مشيراً إلى هوله بأداة البعد مستأنفاً : { ذلك } أي اليوم العظيم المكانة الجليل الأوصاف { يوم التغابن } الذي لا تغابن في الحقيقة غيره لعظمه ودوامه ، والغبن : ظهور النقصان للحظ الناشىء عن خفاء لأنه يجمع فيه الأولون والآخرون وسائر الخلق أجمعون ، ويكون فيه السمع والإبصار على غاية لا توصف بحيث إن جميع ما يقع{[65768]} فيه يمكن{[65769]} أن يطلع عليه كل أحد من أهل ذلك الجمع ، فإذا فضح أحد افتضح عند الكل ، وما من عبد يدخل الجنة إلا أري مقعده من{[65770]} النار لو أساء ليزداد{[65771]} شكراً ، وما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد{[65772]} حسرة فيغبن كل كافر بتركه{[65773]} الإيمان وكل مؤمن بتقصيره{[65774]} في الإحسان ، ومادة " غبن " تدور على الخفاء من مغابن الجسد وهي ما يخفى عن العين ، وسمي الغبن في البيع - لخفائه عن صاحبه ، فالكافر والظالم يظن أنه غبن المؤمن بنعيم الدنيا الذي استأثر به الكافر ، وبالنقص الذي أدخله الظالم على المظلوم ، وقد غبنهما المؤمن والمظلوم على الحقيقة بنعيم الآخرة وكمال جزائها العظيم الدائم ، فالغبن فيه لا يشبهه غبن ، فقد بعث ذكر هذا اليوم على هذا الوجه على التقوى أتم بعث ، وهي الحاملة على اتباع الأوامر واجتناب النواهي لئلا يحصل الغبن بفوات النعيم أو نقصانه ، ويحصل بعده للكافر{[65775]} العذاب الأليم .

ولما كان كل أحد يحسب أن يكون في النور ، ويكره أن يكون في الظلام ، ويحب أن يكون غابناً ، ويكره أن يكون مغبوناً ، أرشدت سوابق الكلام ولواحقه إلى أن التقدير ، فمن آمن كان في النور ، وكان في ذلك اليوم برجحان ميزانه من{[65776]} الغابنين ، ومن كفر كان في الظلام ، وكان في ذلك اليوم بنقصان ميزانه من المغبونين ، فعطف{[65777]} عليه قوله بياناً لآثار ذلك الغبن ، وتفضيلاً له بإصلاح الحامل على التقوى وهي أمور منها القوة العلمية : { ومن يؤمن } أي يوقع الإيمان ويجدده على سبيل الاستمرار { بالله } أي الملك الأعظم الذي لا كفؤ له . ولما ذكر الرأس وهو إصلاح القوة العلمية ، أتبعه البدن وهو إصلاح القوة العملية فقال : { ويعمل } تصديقاً لإيمانه { صالحاً } أي عملاً هو مما ينبغي الاهتمام بتحصيله لأنه لا مثل له في{[65778]} جلب المنافع ودفع المضار .

ولما كان الدين مع سهولته متيناً لن يشاده أحد إلا غلبه ، قال حاملاً على التقوى بالوعد بدفع المضار ، ولعله أفرد الضمير إشارة إلى أن زمان التكفير والدخول متفاوت بحسب طول الحساب وقصره ، كلما{[65779]} فرغ واحد من الحساب دخل الجنة إن كان من أهلها : { يكفر } أي الله - على قراءة الجماعة بأن يستر ستراً عظيماً { عنه{[65780]} سيئاته } التي غلبه عليها نقصان الطبع ، وأتبع ذلك الحامل الآخر وهو الترجئة يجلب المسار لأن الإنسان يطير إلى ربه سبحانه بجناحي الخوف والرجاء والرهبة والرغبة{[65781]} والنذارة والبشارة فقال : { ويدخله } أي رحمة له وإكراماً وفضلاً{[65782]} { جنّات } أي بساتين ذات أشجار عظيمة وأغصان ظليلة تستر داخلها ، ورياض مديدة منوعة الأزاهير{[65783]} عطرة النشر تبهج رائيها ، وأشار إلى دوام ريها بقوله : { تجري } ولما كان عموم الماء لجميع الأرض غير{[65784]} ممدوح ، بين أنه في خلالها على أحسن{[65785]} الأحوال فقال : { من تحتها } وبين عظمه بقوله : { الأنهار } ولما كان النزوح{[65786]} أو توقعه عن مثل هذا محزناً ، أزال توقع ذلك بقوله جامعاً لئلا يظن الخلود لواحد بعينه تصريحاً بأن من معناها الجمع وأن كل من تناولته مستوون في الخلود : { خالدين فيها } وأكد بقوله{[65787]} : { أبداً } والتقدير{[65788]} على قراءة نافع وابن عامر{[65789]} بالنون : نفعل التكفير{[65790]} والإدخال إلى هذا النعيم بما لنا من العظمة فإنه لا يقدر على إسعاد من شاء وإشقاء من شاء إلا الله سبحانه ، ولا تكون هذه القدرة تامة إلا لمن كان عظيماً لا راد لأمره أصلاً .

ولما كان هذا أمراً باهراً جالباً بنعيمه سرور القالب ، أشار إلى عظمته بما يجلب سرور القلب بقوله : { ذلك } أي الأمر العالي جداً من الغفران والإكرام ، لا غيره { الفوز العظيم * } لأنه جامع لجميع المصالح{[65791]} مع دفع المضار وجلب المسار .


[65764]:- زيد في الأصل: السامع، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[65765]:- في ظ: وعظا.
[65766]:- زيد في الأصل وظ: لها، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[65767]:- زيد من ظ وم.
[65768]:- زيد من ظ.
[65769]:- زيد من م.
[65770]:- من م، وفي الأصل وظ: في.
[65771]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيزداد.
[65772]:- من م، وفي الأصل وظ: لتركه.
[65773]:- من م، وفي الأصل وظ: لتركه.
[65774]:- من م، وفي الأصل وظ: لتقصيره.
[65775]:- زيد في الأصل وظ: من، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[65776]:- من ظ وم، وفي الأصل: في.
[65777]:- من م، وفي الأصل وظ: بطف.
[65778]:- زيد من م.
[65779]:- من ظ وم، وفي الأصل: كما.
[65780]:- وقع في الأصل قبل "سترا عظيما" والترتيب من ظ وم.
[65781]:- زيد من ظ وم.
[65782]:- زيد من ظ وم.
[65783]:- من ظ وم، وفي الأصل: الأزهار.
[65784]:- زيد من ظ وم.
[65785]:- زيد من ظ وم.
[65786]:- من ظ وم، وفي الأصل: الروج.
[65787]:- من م، وفي الأصل وظ: قوله.
[65788]:- زيد في الأصل وظ: بقوله، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[65789]:- راجع نثر المرجان 7/371-372.
[65790]:- من ظ وم، وفي الأصل: التفكير.
[65791]:- من ظ وم، وفي الأصل: المصلح.