فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

{ وم يجمعكم ليوم ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ( 9 ) } .

{ التغابن } التناقض ، يغبن بعض الناس بعضا يوم القيامة بنزول الأشقياء منازل السعداء لو كانوا أشقياء وعكسه . وفي الصحيح : ( ما من عبد يدخل الجنة إلا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ، وما من عبد يدخل النار إلا أرى مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة ) ؛ وفيه تهكم بالأشقياء { . . . إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين }{[7042]} .

واذكر يوم يجمع الله الأولين والآخرين وسائر المكلفين- من الملائكة والجن والناس أجمعين- في يوم مجموع له الخلق ومشهود ، ذلك هو يوم يظهر غبن كل كافر بترك الإيمان ، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان ، ومن يلق ربه وقد كان في دنياه مؤمنا عمل الصالحات يذهب الله عنه الفضيحة بستر عيوبه ، والعفو عن ذنوبه ، ويسكنه روضات الجنات ومساكن طيبات تجري من حولها أنهار مختلفات ، وهم يمكثون في هذا النعيم لا يرتحلون عنه ولا يخرجون منه ، وذلك أعظم الربح والفلاح .

مما قال الراغب : و{ يوم التغابن } يوم القيامة لظهور الغبن في المبايعة المشار إليها بقوله تعالى : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله . . . }{[7043]} ، وقوله سبحانه : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة . . . }{[7044]} ، وقوله عز وجل : { الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا . . }{[7045]} ؛ فعلم أنهم قد غبنوا فيما تركوا من المبايعة ، وفيما تعاطوه من ذلك جميعا . اه .

مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : ويجوز أن يفسر التغابن بأخذ المظلوم حسنات الظالم ، وحمل الظالم خطايا المظلوم .


[7042]:- سورة الزمر. من الآية 15.
[7043]:- سورة البقرة. من الآية 207.
[7044]:- سورة التوبة. من الآية 111.
[7045]:سورة آل عمران. من الآية 77.