فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

{ يوم يجمعكم } العالم في الظرف لتنبؤن قاله النحاس ، وقال غيره : هو خبير ، وقيل : محذوف هو أذكر ، قال أبو البقاء : هو ما دل عليه الكلام أي تتفاوتون يوم يجمعكم ، وقرأ الجمهور بفتح الياء وضم العين وروي إسكانها ولا وجه لذلك إلا التخفيف وإن لم يكن هذا موضعا له كما قرئ في { وما يشعركم } بسكون الراء ، وقرئ نجمعكم بالنون ومعنى { ليوم الجمع } ليوم القيامة ، فإنه يجمع فيه أهل المحشر للجزاء ، ويجمع فيه بين كل عامل وعمله ، وبين كل نبي وأمته ، وبين كل ظالم ومظلومه ، وبين الأولين والآخرين من الإنس والجن وجميع أهل السماء ، وأهل الأرض .

{ ذلك } يعني أن يوم القيامة هو { يوم التغابن } وذلك أنه يغبن فيه بعض أهل المحشر بعضا فيغبن فيه أهل الحق الباطل ، ويغبن فيه أهل الإيمان أهل الكفر ، وأهل الطاعة أهل المعصية ، ولا غبن أعظم من غبن أهل الجنة أهل النار عند دخول هؤلاء الجنة وهؤلاء النار ، فتركوا منازلهم التي كانوا يستنزلونها ، لو لم يفعلوا ما يوجب النار ، فكأن أهل النار استبدلوا الخير بالشر ، والجيد بالرديء ، والنعيم بالعذاب ، وأهل الجنة على العكس من ذلك يقال : غبنت فلانا إذا بايعته أو شاركته ، فكان النقص عليه ، والغلبة والغبن فوت الحظ ، كذا قال المفسرون ، فالمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة ، فإطلاق التغابن على ما يكون فيها إنما هو بطريق الاستعارة ، وأن التفاعل ليس من اثنين ، وكذا المغابنة على سبيل التجريد ، قال ابن عباس يوم التغابن من أسماء يوم القيامة ، وعنه قال : غبن أهل الجنة أهل النار .

{ ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته } أي من وقع منه التصديق مع العمل الصالح استحق تكفير سيئاته { ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار } قرأ الجمهور يكفر ويدخله بالتحتية وقرئ بالنون وفيه التفات من الغيبة إلى التكلم { خالدين فيها أبدا } حال مقدرة فيه مراعاة معنى من { ذلك } أي ما ذكر من التكفير والإدخال { الفوز العظيم } أي الظفر الذي لا يساويه ظفر ، والعظيم أعلى حالا من الكبير الذي ذكر في سورة البروج ، لأن ما فيها قد رتب على إدخال الجنات فقط ، وما هنا قد رتب على الأمرين المذكورين ، فهو جمع للمصالح من دفع المضار وجلب المنافع .