فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

{ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجمع } العامل في الظرف { لتنبؤن } ، قاله النحاس . وقال غيره : العامل فيه خبير ، وقيل : العامل فيه محذوف هو اذكر . وقال أبو البقاء : العامل فيه ما دلّ عليه الكلام : أي تتفاوتون يوم يجمعكم . قرأ الجمهور { يَجْمَعُكُمْ } بفتح الياء وضم العين ، وروي عن أبي عمرو إسكانها ، ولا وجه لذلك إلاّ التخفيف وإن لم يكن هذا موضعاً له ، كما قرئ في { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } [ الأنعام : 109 ] بسكون الراء ، وكقول الشاعر :

فاليوم أشرب غير مستحقب *** إثماً من الله ولا واغل

بإسكان باء أشرب ، وقرأ زيد بن عليّ والشعبي ويعقوب ونصر وابن أبي إسحاق والجحدري «نجمعكم » بالنون ، ومعنى { ليوم الجمع } ليوم القيامة فإنه يجمع فيه أهل المحشر للجزاء ، ويجمع فيه بين كل عامل وعمله ، وبين كل نبيّ وأمته ، وبين كل مظلوم وظالمه { ذَلِكَ يَوْمُ التغابن } يعني : أن يوم القيامة هو يوم التغابن ، وذلك أنه يغبن فيه بعض أهل المحشر بعضاً ، فيغبن فيه أهل الحق أهل الباطل ، ويغبن فيه أهل الإيمان أهل الكفر ، وأهل الطاعة أهل المعصية ، ولا غبن أعظم من غبن أهل الجنة أهل النار عند دخول هؤلاء الجنة وهؤلاء النار ، فنزلوا منازلهم التي كانوا سينزلونها لو لم يفعلوا ما يوجب النار ، فكأن أهل النار استبدلوا الخير بالشرّ والجيد بالرديء والنعيم بالعذاب ، وأهل الجنة على العكس من ذلك . يقال : غبنت فلاناً إذا بايعته ، أو شاريته فكان النقص عليه والغلبة ، كذا قال المفسرون ، فالمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة { وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صالحا نكفر عَنْهُ سيّئاته } أي من وقع منه التصديق مع العمل الصالح استحق تكفير سيئاته ، قرأ الجمهور ( يُكَفِّرْ ) و( يُدْخِلْهُ ) بالتحتية ، وقرأ نافع وابن عامر بالنون فيهما ، وانتصاب { خالدين فِيهَا أَبَداً } على أنها حال مقدّرة ، والإشارة بقوله : { ذلك } إلى ما ذكر من التكفير والإدخال ، وهو مبتدأ وخبره { الفوز العظيم } أي الظفر الذي لا يساويه ظفر .

/خ13