{ من الجنة والناس } بيان للشيطان الذي يوسوس للإنسان ، وأنه كما يكون من الجن يكون من الإنس ؛ وكل من يفعل ذلك منهما يقال له شيطان ؛ إذ هو لغة كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب . وعن قتادة : أن من الجن شياطين ، ومن الإنس شياطين ؛ فنعوذ بالله من شياطين الإنس والجن . ويشير إلى ذلك قوله تعالى : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرور }{[419]} .
وعن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ، ثم ينفث فيهما فيقرأ : " قل هو الله أحد " و " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ؛ يبدأ بهما على رأسه ووجهه ، وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات .
ونختم القول بما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قيل : يا رسول الله ، أي الأعمال أحب إلى الله تعالى ؟ قال : " الحال المرتحل " . قيل : وما الحال المرتحل ؟ قال : " الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره ، كلما حل ارتحل " أخرجه الترمذي .
والله سبحانه أعلم بمراده وأسرار كتابه .
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ، ربنا إنك رءوف رحيم . وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين ، وعلى آله وأصحابه ، ومن دعا بدعوته ، وقام بنشر سنته ، إلى يوم الدين . ! .
هذا ، وقد أتم الله تعالى النعمة ، وأعظم المنة بالتوفيق لإتمام هذا التفسير في صبيحة يوم السبت السادس من شهر ربيع الأول من سنة 1375 ( ألف وثلاثمائة وخمس وسبعين هجرية . والموافق للثاني والعشرين من شهرا أكتوبر سنة 1955 ألف وتسعمائة وخمس ميلادية ) بالقاهرة .
على يد جامعه الفقير تعالى حسنين محمد مخلوف العدوي الأزهري ، مفتى الديار المصرية السابق ، وعضو جماعة كبار العلماء بالأزهر الشريف ، ورئيس لجنة الفتوى به ؛ عفا الله عنه بمنه وكرمه ، ابن العلامة المحقق شيخ الشيوخ بالأزهر : الشيخ محمد حسنين مخلوف العدوي المالكي ، ابن العلامة الشيخ حسنين محمد علي مخلوف العدوي المالكي الأزهري ؛ رحمهما الله تعالى .
قوله تعالى : { من الجنة والناس }
أخبر أن الموسوس قد يكون من الناس .
قال الحسن : هما شيطانان : أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس ، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية .
وقال قتادة : إن من الجن شياطين ، وإن من الإنس شياطين ، فتعوذ بالله من شياطين الإنس والجن . وروي عن أبي ذر أنه قال لرجل : هل تعوذت بالله من شياطين الإنس ؟ فقال : أو من الإنس شياطين ؟ قال : نعم ؛ لقوله تعالى : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين{[16620]} الإنس والجن }[ الأنعام : 112 ] . . الآية .
وذهب قوم إلى أن الناس هنا يراد به الجن . سموا ناسا كما سموا رجلا في قوله : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن }{[16621]} [ الجن : 6 ] ، وقوما ونفرا{[16622]} . فعلى هذا يكون " والناس " عطفا على " الجنة " ، ويكون التكرير لاختلاف اللفظين . وذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدث : جاء قوم من الجن فوقفوا . فقيل : من أنتم ؟ فقالوا : ناس من الجن ، وهو معنى قول الفراء .
وقيل : الوسواس هو الشيطان . وقوله : " من الجنة " بيان أنه من الجن " والناس " معطوف على الوسواس . والمعنى : قل أعوذ برب الناس من شر الوسواس ، الذي هو من الجنة ، ومن شر الناس . فعلى هذا أمر بأن يستعيذ من شر الإنس والجن . والجِنة : جمع جني ، كما يقال : إنس وإنسي . والهاء لتأنيث الجماعة . وقيل : إن إبليس يوسوس في صدور الجن ، كما يوسوس في صدور الناس . فعلى هذا يكون { في صدور الناس } عاما في الجميع . و{ من الجنة والناس } بيان لما يوسوس في صدره . وقيل : معنى { من شر الوسواس } أي الوسوسة التي تكون من الجنة والناس ، وهو حديث النفس . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به " . رواه أبو هريرة ، أخرجه مسلم . فالله تعالى أعلم بالمراد من ذلك .
قوله : { من الجنة والناس } أي أن الموسوس قد يكون من الجن أو من الإنس ، فهما بذلك شيطانان . أما شيطان الجن فإنه يوسوس في صدور الناس ، وأما شيطان الإنس فإنه يأتي علانية . قال قتادة : إن من الجن شياطين ، وإن من الإنس شياطين . فتعوذ بالله من شياطين الإنس والجن .
وقيل : إن قوله : { من الجنة والناس } بيان للناس ، وإن اسم الناس ينطلق على الجنة{[4887]} .
تم هذا التفسير بعون الله ومشيئته وفضله وتوفيقه في العشاء الآخرة من ليلة الأربعاء في الرابع والعشرين من شهر صفر لعام سبعة عشر وأربعمائة وألف للهجرة . الموافق للعاشر من تموز عام ستة وتسعين وتسعمائة وألف للميلاد .
أسأل الله جلت قدرته أن يسهم هذا الجهد في الإعراب عن عظيم الشأن للقرآن الكريم ، وفي إظهار ما تضمنه هذا الكتاب المعجز الفذ من عجيب المعاني والأخبار والحقائق ، ليستيقن الناس أن هذا القرآن لهو أعظم الحقائق اليقينية في هذا الوجود .
ثم أسأله عز شأنه أن يكون ما بذلناه في هذا التفسير متقبّلا ، وأن يدفع عنا به غوائل الشرور والموبقات والخطايا ، وأن يكون لنا فرطا يوم التناد ، فنظفر بالسعادة والنجاة والرضوان . والحمد لله رب العالمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.