{ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله } أي منعوا غيرهم عن الإسلام . ويدخل فيهم المطمعون يوم بدر دخولا أوليا ؛ من الصد . يقال : صده عن الأمر صدا ، منعه وصرفه عنه ؛ كأصد . أو أعرضوا عن الإسلام ؛ من الصدود . يقال : صد عنه صدودا ، أعرض . { أضل أعمالهم } أبطل ما عملوه من الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ كالإنفاق الذي فعلوه في تلك الغزوة لمحاربته – بنصرته لرسوله الله صلى الله عليه وسلم ، وإظهار دينه على الدين كله . أو جعل ما كانوا يعملونه من أعمال البر والمكارم ضلالا ، أي غير هدى وغير رشاد ؛ لأنهم عملوه على غير استقامة . من الضلال ، وأصله العدول عن الطريق المستقيم ، وضده الهداية .
{ 1-3 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ }
هذه الآيات مشتملات على ذكر ثواب المؤمنين وعقاب العاصين ، والسبب في ذلك ، ودعوة الخلق إلى الاعتبار بذلك ، فقال : { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } وهؤلاء رؤساء الكفر ، وأئمة الضلال ، الذين جمعوا بين الكفر بالله وآياته ، والصد لأنفسهم وغيرهم عن سبيل الله ، التي هي الإيمان بما دعت إليه الرسل واتباعه .
فهؤلاء { أَضَلَّ } الله { أَعْمَالَهُمْ } أي : أبطلها وأشقاهم بسببها ، وهذا يشمل أعمالهم التي عملوها ليكيدوا بها الحق وأولياء الله ، أن الله جعل كيدهم في نحورهم ، فلم يدركوا مما قصدوا شيئا ، وأعمالهم التي يرجون أن يثابوا عليها ، أن الله سيحبطها عليهم ، والسبب في ذلك أنهم اتبعوا الباطل ، وهو كل غاية لا يراد بها وجه الله من عبادة الأصنام والأوثان ، والأعمال التي في نصر الباطل لما كانت باطلة ، كانت الأعمال لأجلها باطلة .
سورة القتال ، وهي سورة محمد صلى الله عليه وسلم ، مدنية في قول ابن عباس ، ذكره النحاس . وقال الماوردي : في قول الجميع إلا ابن عباس وقتادة فإنهما قالا : إلا آية منها نزلت عليه بعد حجة الوداع حين خرج من مكة ، وجعل ينظر إلى البيت وهو يبكي حزنا عليه ، فنزل عليه " وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك " {[1]} [ محمد : 13 ] . وقال الثعلبي : إنها مكية ، وحكاه ابن هبة الله عن الضحاك وسعيد بن جبير . وهي تسع وثلاثون آية . وقيل ثمان .
قال ابن عباس ومجاهد : هم أهل مكة كفروا بتوحيد الله ، وصدوا أنفسهم والمؤمنين عن دين الله وهو الإسلام بنهيهم عن الدخول فيه ، وقاله السدي . وقال الضحاك : " عن سبيل الله " عن بيت الله بمنع قاصديه . ومعنى " أضل أعمالهم " : أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وجعل الدائرة عليهم ، قال الضحاك . وقيل : أبطل ما عملوه في كفرهم بما كانوا يسمونه مكارم ، من صلة الأرحام وفك الأسارى وقرى الأضياف وحفظ الجوار . وقال ابن عباس : نزلت في المطعمين ببدر ، وهم اثنا عشر رجلا : أبو جهل ، والحارث بن هشام ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبي وأمية ابنا خلف ، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج ، وأبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، والحارث بن عامر بن نوفل .
{ الذين كفروا } يعني : كفار قريش وعموم اللفظ يعم كل كافر كما أن قوله بعد هذا { والذين آمنوا } يعني : الصحابة وعموم اللفظ يصلح لكل مؤمن .
{ وصدوا عن سبيل الله } يحتمل أن يكون { صدوا } بمعنى : أعرضوا فيكون غير متعد أو يكون بمعنى : صدوا الناس فيكون متعديا و{ سبيل الله } الإسلام والطاعة .
{ أضل أعمالهم } أي : أبطلها وأحبطها ، وقيل : المراد بأعمالهم هنا ما أنفقوا في غزوة بدر فإن هذه الآية نزلت بعد بدر واللفظ أعم من ذلك .
سورة{[1]} محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وتسمى القتال و{[2]}تسمى أيضا{[3]} الذين كفروا .
مقصودها التقدم إلى المؤمنين في حفظ حظيرة الدين بإدامة الجهاد للكفار ، حتى يلزموهم الصغار ، أو يبطلوا{[4]} ضلالهم كما أضل [ الله-{[5]} ] أعمالهم ، لا سيما أهل الردة الذين [ فسقوا عن محيط الدين إلى -{[6]} ] أودية الضلال المبين ، والتزام{[7]} هذا الخلق الشريف إلى أن تضع الحرب أوزارها بإسلام أهل الأرض كلهم بنزول{[8]} عيسى عليه الصلاة والسلام ، وعلى ذلك دل اسمها " الذين كفروا " لأن من المعلوم أن من صدك عن سبيلك قاتلته و[ أنك-{[9]} ] إن لم تقاتله كنت مثله ، واسمها محمد واضح في ذلك لأن الجهاد كان خلقه عليه/أفضل الصلاة والسلام إلى أن توفاه الله تعالى وهو نبي الرحمة بالملحمة لأنه لا يكون حمد وثم نوع ذم كما تقدم تحقيقه في سورة فاطر وفي سبأ وفي الفاتحة ، ومتى كان كف عن أعداء الله [ كان-{[10]} ] الذم ، [ و-{[11]} ] أوضح أسمائها في هذا المقصد القتال ، فإن من المعلوم أنه لأهل الضلال { بسم الله } الملك الأعظم الذي [ أقام-{[12]} ] جنده للذب عن حماه { الرحمن } الذي عمت رحمته تارة بالبيان وأخرى بالسيف والسنان { الرحيم } الذي خص حزبه بالحفظ في طريق الجنان .
لما أقام سبحانه الأدلة في الحواميم حتى صارت كالشمس ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، وختم بأنه لا يهلك بعد هذه الأدلة إلا القوم{[13]} الفاسقون ، افتتح هذه بالتعريف بهم فقال سبحانه وتعالى :
فقال سبحانه وتعالى : { الذين كفروا } أي ستروا أنوار الأدلة فضلوا على{[59255]} علم { وصدوا } أي امتنعوا بأنفسهم ومنعوا غيرهم لعراقتهم في الكفر { عن سبيل الله } أي الطريق الرحب المستقيم الذي شرعه الملك الأعظم { أضل } أي أبطل إبطَّالاً عظيماً يزيل العين والأثر-{[59256]} { أعمالهم * } التي هي أرواحهم المعنوية وهي كل شيء يقصدون به نفع أنفسهم من جلب نفع أو دفع ضر بعد أن وفر سيئاتهم وأفسد بالهم ، ومن جملة أعمالهم ما يكيدونكم به لأنها إذا ضلت عما قصدوا بها بجعله سبحانه لها ضالة ضائعة هلكت من جهة أنها ذهبت في المهالك ومن جهة{[59257]} أنها ذهبت في غير الجهة التي قصدت لها فبطلت منفعتها المقصودة منها فصارت هي باطلة فأذهبوا أنتم أرواحهم{[59258]} الحسية بأن تبطلوا صورهم وأشباحهم بأن تقطعوا أوصالهم وأنتم في غاية الاجتراء عليهم ، فإن ربهم الذي أوجدهم قد أبطلهم وأذن لكم في إبطالهم ، فإنه قد علم أن لا صلاح لهم والمؤذي طبعاً يقتل شرعاً ، فمن قدرتم على قتله فهو محكوم بكفره ، محتوم بخيبته وخسره .
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : {[59259]}لما انبنت{[59260]} سورة الأحقاف على ما ذكر من مآل من كذب وافترى {[59261]}وكفر{[59262]} وفجر ، وافتتحت السورة بإعراضهم ، ختمت بما قد-{[59263]} تكرر من تقريعهم وتوبيخهم ، فقال تعالى : { ألم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى{[59264]} } أي لو اعتبروا بالبداءة لتيسر عليهم أمر العودة ، ثم ذكر عرضهم على النار إلى{[59265]} قوله { فهل يهلك إلا القوم الفاسقون } فلما ختم بذكر هلاكهم ، افتتح السورة الأخرى بعاجل ذلك اللاحق لهم في دنياهم فقال تعالى : { فإذا{[59266]} لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق {[59267]}فإما منّاً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها{[59268]} } الآية بعد ابتداء السورة بقوله { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم } فنبه على أن أصل محنتهم إنما هو بما أراده تعالى بهم في سابق علمه ليعلم المؤمنون أن الهدى{[59269]} والضلال بيده{[59270]} ، فنبه على الطريقين بقوله { أضل أعمالهم } وقوله في الآخر{[59271]} { كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم } ثم بين {[59272]}أنه تعالى{[59273]} لو شاء لانتصر منهم ولكن{[59274]} أمر المؤمنين بقتالهم ابتلاء واختباراً ، ثم حض المؤمنين على ما أمرهم به من ذلك فقال : { إن تنصروا الله ينصركم } ثم التحمت الآي - انتهى .