قوله : ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ ) الآية [ 101 ] .
قوله : ( وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ ) [ 101 ] .
يجوز أن تكو " ما " نافية فيحسن الابتداء بها . وأن تكون بمعنى " الذي " أي : واتبعوا الذي أنزل على الملكين ، فلا يبتدأ بها( {[3159]} ) .
وقيل : " ما " ( {[3160]} ) في موضع نصب ب " يعلمونَ " ، أي : ويعلمون ما أنزل على الملكين فيتعلمون أي فهم يتعلمون .
وقال الفراء : هو معطوف على ( يُعَلِّمُونَ النَّاسَ/ السِّحْرَ ) ( فَيَتَعَلَّمُونَ ) وأجاز أن يكون مردوداً( {[3161]} ) على قوله : ( إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ ) على إضمار تقديره . " فيأتون فيتعلمون( {[3162]} ) " ( {[3163]} ) . ويجوز أن يكون مردوداً( {[3164]} ) على ( فَلاَ تَكْفُرْ ) لأن معناه : " فلا تتعلم السحر " . فيكون( {[3165]} ) تقديره : " فلا تتعلم فيأتون فيتعلمون " .
قوله : ( عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ) [ 101 ] .
أي : في حين ملكه( {[3166]} ) ، " فعلى " بمعنى " في " ، كما وقعت " في " بمعنى " على " في قوله : ( وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) [ طه : 70 ] أي على : جذوع النخل( {[3167]} ) .
ومعنى " تَتْلُوا " تقرأ( {[3168]} ) ، وقيل : تروي( {[3169]} ) .
قوله : ( لَمَنِ اشْتَرَاهُ ) [ 101 ] .
" من " بمعنى " الذي " ، وأجاز الفراء( {[3170]} ) أن تكون للشرط ولا يجوز ذلك عند البصريين . والضمير في ( وَاتَّبَعُوا ) يعود على اليهود الذين وصفهم الله قبل ، بنبذ( {[3171]} ) الكتاب والكفر والجحود وغير ذلك ، وهم اليهود الذين هم( {[3172]} ) بحضرة رسول الله [ عليه السلام ]( {[3173]} ) لأنهم تركوا كتابهم واتبعوا السحر .
( عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ) : أي : على عهده .
قال السدي : " كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتسمع ما أُخْبِرَ به الملائكة مما يحدث في الأرضن موت أو جدب أو غير ذلك فيخبرون به الكهنة ، فتحدث الكهنة الناس ويزيدون فيه مع كل كلمة سبعين كلمة( {[3174]} ) من الكذب( {[3175]} ) . فاكتتب( {[3176]} ) الناس ذلك في الكتب ، وفشا في بني( {[3177]} ) إسرائيل أن الجن تعلم الغيب . فجمع سليمان تلك الكتب فجعلها في صندوق ثم دفنها تحت كرسيه ، ولم يكن أحد من الشياطين يدنو من كرسيه إلا احترق . وانتهى الناس عن إضافة الغيب إلى الشياطين . فلما مات سليمان صلى الله عليه وسلم وانقرض العلماء ، تمثل الشيطان( {[3178]} ) في صورة( {[3179]} ) الإنسان ، وأتى نفراً( {[3180]} ) من بني إسرائيل فقال : هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبداً ؟ قالوا : نعم . قال( {[3181]} ) : فاحفروا تحت الكرسي . وذهب معهم فأراهم المكان فحفروا ، فوجدوا تلك الكتب ، فلما أخرجوها قال( {[3182]} ) : إن سليمان إنما كان يملك الجن والإنس والطير بهذا السحر . ثم ذهب عنهم ، وفشا في الناس أن سليمان كان ساحراً ، فطلب بنو إسرائيل السحر ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم خاصموه/ بها ، فأنزل الله عز وجل : ( وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ) " ( {[3183]} ) .
وقال الربيع في خبر رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن السحر فقال لهم النبي [ عليه السلام ]( {[3184]} ) : إِنَّمَا عَمَدَتِ الشَّيَاطِينُ فِي عَهْدِ سُلَيْمَانَ إِلَى السِّحْرِ وَالكَهَانَةِ فَوَضَعَتْهُ فِي كُتُبٍ وَدَفَنَتْه تَحْتَ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ ، فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ اسْتَخْرَجُوا( {[3185]} ) الكُتُبَ وَخَدَعُوا( {[3186]} ) بِهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَاتَّبَعُوهَا( {[3187]} ) " ( {[3188]} ) .
وقال ابن جريج : " عني بذلك اليهود الذين كانوا على عهد سليمان " ( {[3189]} ) .
وقال ابن إسحاق : " إنما كتبت الشياطين ما كتبت حين علمت بموت( {[3190]} ) سليمان صلى الله عليه وسلم ؛ / كتبت : من كان يحب أن يبلغ كذا وكذا فليفعل كذا وكذا . فكتبوا أصنافاً وختموا عليه وعنونوا( {[3191]} ) : هذا ما كتب آصف بن( {[3192]} ) برخيا الصِّديق للملك سليمان بن داود . ثم دفنوه تحت الكرسي . فاستخرجته( {[3193]} ) بعد ذلك بقايا بني إسرائيل واتبعته ، / وقالوا : ما ملك( {[3194]} ) سليمان إلا بهذا . فأفشوا السحر في الناس ، فليس السحر في أحد أكثر منه في اليهود . وقد سحروا النبي صلى الله عليه وسلم " ( {[3195]} ) .
وبابل : موضع يقال الملكان فيه في( {[3196]} ) سرب من الأرض معلقين في ضوء كضوء النهار .
وقيل : إنما سمي بابلاً لأن الألسنة( {[3197]} ) فيه تبلبلت ، وافترقت الأمم من ذلك المكان في الآفاق( {[3198]} ) لاختلاف ألسنتها( {[3199]} ) .
وقيل : إن ذلك إنما كان على عهد فرعون إذ جمع الناس لبنيان( {[3200]} ) الصرح ، ومن ذلك الوقت لا تدع الريح بنياناً( {[3201]} ) يبلغ ذراعاً إلا دمرته( {[3202]} ) .
وقال ابن عباس : " إن سليمان لما ذهب ملكه ارتد فئام( {[3203]} ) من الناس من الجن والإنس وأحدثوا سحراً ، واتبعوا الشهوات . فلما رجع سليمان إلى ملكه ، أخذ تلك الكتب ودفنها . فلما مات ظهرت الإنس والجن على تلك الكتب ، وقالوا : هذا كتاب من عند الله أخفاه عنا سليمان فجعلوه ديناً " .
ومعنى ( تَّتْلُوا ) : تحدث وتروي وتتكلم .
وقيل : معناه تتبع( {[3204]} ) .
قوله : ( عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ) [ 101 ] .
قال ابن( {[3205]} ) عباس : " كان سبب محنة سليمان صلى الله عليه وسلم أن أهل امرأة له يقال لها جرادة اختصموا إليه مع خصماء لهم/ فكان هوى سليمان أن يكون الحق لأهل جرادة فقضي لهم فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحداً . وكان سليمان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء أو يقضي حاجة أعطى خاتمه لجرادة ، فلما أراد الله منه ما أراد جاء( {[3206]} ) الشيطان( {[3207]} ) يوماً في صورة سليمان( {[3208]} ) إلى جرادة فقال : هاتي الخاتم . فأخذه فلبسه فدانت له الشياطين( {[3209]} ) والجن والإنس . فلما جاءها سليمان( {[3210]} ) يطلب الخاتم ، قالت له : كذبت لست سليمان( {[3211]} ) فعرف سليمان أنه ابتلي ، فعند ذلك كتبت الشياطين سحراً ودفنوه تحت الكرسي ، وأخرجوه بعد موته ، فضل الناس به ، وتبرأ كثير منهم( {[3212]} ) من سليمان صلى الله عليه وسلم " ( {[3213]} ) .
قوله : ( وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ ) [ 101 ] .
" ما " ( {[3214]} ) في موضع نصب عطفاً على " ما " في قوله : ( وَاتَّبَعُوا ) . وإن شئت عطفاً على السحر أي : ( يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ )( {[3215]} ) .
وقيل : ما جحداً قاله ابن عباس/ . أي لم ينزل( {[3216]} ) على الملكين السحر( {[3217]} ) .
ومعنى : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنَ اَحَدٍ ) [ 101 ] أي يخبرانه بالسحر ليتجنبه ولئلا( {[3218]} ) يقع فيه وهو لا يدري فيقولان : " السحر هو كذا وكذا ، فاجتنبه فإنه كفر " ( {[3219]} ) .
وتقدير قول من جعل " ما " . [ نفيا أن يكون في ]( {[3220]} ) الكلام تقديم وتأخير على ترتيب . " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ، وما كفر سليمان ، وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمان الناس السحر( {[3221]} ) ببابل( {[3222]} ) هاروت وماروت " ( {[3223]} ) .
وقيل( {[3224]} ) : يعني بالملكين هنا : جبريل وميكائيل عليه السلام ، لأن سحرة اليهود تزعم( {[3225]} ) أن الله تعالى أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل ، فأكذبهم( {[3226]} ) الله بذلك وأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين ، وأن تعلم الناس ذلك( {[3227]} ) ببابل وأن الذي يعلمه رجلان اسمهما هاروت وماروت . فهو رد الشياطين( {[3228]} ) .
وقيل( {[3229]} ) : الذي يتعلمه من الناس هاروت وماروت . فهو رد على الناس( {[3230]} ) .
وقال قتادة والزهري عن عبد( {[3231]} ) الله : " كانا ملكين أهبطا إلى الأرض للحكم بين الناس( {[3232]} ) فحاكمت إليهما امرأة فحافا( {[3233]} ) ، فأتيا ينهضان إلى السماء فلم [ يقدرا ، وخُيّرا ]( {[3234]} ) بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا( {[3235]} ) عذاب الدنيا فكانا يعلمان( {[3236]} ) الناس السحر ، فأخذ عليهما ألا يعلما أحداً( {[3237]} ) حتى يقولا : ( إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ )( {[3238]} ) .
وذكر ابن الأعرابي( {[3239]} ) في " الياقوتة " أن معنى " يُعَلِّمَان " : " يُعْلِمانِ " مخففاً . قال : والعرب تقول : " تعلم مني " أي : اعلم . قال : ومعناه : أن الساحر يأتي الملكين فيقول : أخبراني عما نهى الله عنه [ فننتهي عنه ]( {[3240]} ) ، فيقولان : نهى عن الزنا ، فيقول : وما الزنا ؟ فيصفانه له . ويقولان : نهى عن اللواط ويصفانه( {[3241]} ) . ونهى عن السحر ويصفانه( {[3242]} ) له/ لينتهي( {[3243]} ) عنه ، فينصرف( {[3244]} ) ويخالف ويكفر( {[3245]} ) .
فالمعنى : وما يعلمان من أحد حتى يقولا : ( إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ [ فَلاَ تَكْفُرْ ] ) " ( {[3246]} ) أي : اختبار من الله فلا تكفر ، فتعمل بما ينهاك( {[3247]} ) عن العمل به( {[3248]} ) .
وروي عن ابن عباس في قصة الملكين : " أن الله تعالى أطلع الملائكة على أعمال بني آدم ، فقالوا : يا رب هؤلاء بنو آدم الذي خلقته بيدك ، و[ أسجدت له ]( {[3249]} ) ملائكتك ، وعلمته أسماء كل شيء يعملون( {[3250]} ) بالخطايا . فقال الرب لهم : أما إنكم لو كنتم مكانهم لعملتم( {[3251]} ) مثل أعمالهم . قالوا : سبحانك ، ما كان ينبغي لنا . قال( {[3252]} ) : فأمروا أن يختاروا ملكين ليهبطا إلى الأرض ، فاختاروا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض وأحل( {[3253]} ) لهما( {[3254]} ) كل شيء إلا الشرك والسرقة والزنا وشرب الخمر ، وقتل النفس . قال : فما أشهرا( {[3255]} ) حتى عرض لهما بامرأة ، قد قسم لها/ بنصف الحسن ، فلما أبصراها تعرضا لها ، قالت : لا( {[3256]} ) ، إلا أن تشركا بالله شيئاً/ ، وتشربا الخمر وتقتلا النفس ، وتسجدا( {[3257]} ) لهذا الصنم . قالا : ما كنا لنشرك بالله شيئاً . فقال أحدهما للآخر : ارجع إليها . فقالت( {[3258]} ) : لا ، إلا أن تشربا الخمر ، فشربا حتى ثملا( {[3259]} ) ، ودخل عليهما سائل فقتلاه . فلما وقعا فيما وقعا من الشر ، أفرج الله لملائكة السماء لينظروا إليهما فقالوا : سبحانك أنت أعلم . فأوحى الله تعالى [ إلى سليمان ]( {[3260]} ) بن داود أن( {[3261]} ) يخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا( {[3262]} ) " ( {[3263]} ) .
وروي عن ابن عباس أنه قال : " نزلت الزهرة إليهما في صورة امرأة من أهل فارس ، وكانت الملائكة من قبل يستغفرون للذين آمنوا : ( رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً )( {[3264]} ) [ غافر : 6 ] فلما وقع( {[3265]} ) الملكان في الخطيئة( {[3266]} ) استغفروا لمن في الأرض " ( {[3267]} ) .
وروي عن علي بن أبي طالب( {[3268]} ) أنه قال : " كانت الزهرة امرأة جميلة من أهل فارس ، فلما أراداها( {[3269]} ) قالت : لا ، إلا( {[3270]} ) أن تعلماني( {[3271]} ) الكلام الذي إذا تكلم به عرج إلى السماء . فعلماها فعرجت إلى السماء ، فمسخت كوكباً " ( {[3272]} ) .
قال كعب : " والله ما أمسيا في الأرض من يومهما الذي أهبطا( {[3273]} ) فيه حتى استكملا فعل جميع ما نهيا( {[3274]} ) عنه " .
وقال السدي/ : " إن هاروت وماروت طعنا في بني آدم وأحكامهم . فقيل لهما : إني أعطيت بني آدم عشراً من الشهوات فيها يعصون . فقالا : لو( {[3275]} ) أعطينا( {[3276]} ) تلك الشهوات ونزلنا لحكمنا بالعدل . فأعطيا( {[3277]} ) ذلك ، ونزلا ببابل . فكانا يحكمان إلى المساء( {[3278]} ) ، ثم يصعدان ، فإذا أصبحا نزلا . فأتتهما امرأة تخاصم زوجها فأعجبهما حسنها [ فكلماها في نفسها ]( {[3279]} ) ، فقالت : لا( {[3280]} ) ، حتى تقضيا لي على زوجي ، فحكما لها عليه ، ووعدتهما قرية خربة فأتياها . فلما أرادا( {[3281]} ) منها الحاجة ، قالت : لا ، حتى تخبراني بأي كلام تصعدان إلى السماء ، وبأي كلام تنزلان( {[3282]} ) ، فأخبراها ، [ فتكلمت فصعدت وأنساها الله ]( {[3283]} ) الاسم الذي تنزل به ، فبقيت مكانها وجعلها الله تعالى( {[3284]} ) كوكباً وهي الزهرة . فخُيرا( {[3285]} ) بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا( {[3286]} ) عذاب الدنيا " ( {[3287]} ) .
وكان ابن عمر يلعن الزهرة . رواه نافع عنه( {[3288]} )( {[3289]} ) .
وكل هذه الأخبار تدل على أن " ما " في( {[3290]} ) قوله : ( وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ ) ليست( {[3291]} ) بنفي .
وروى ابن وهب( {[3292]} ) أن خالد بن( {[3293]} ) أبي( {[3294]} ) عمران( {[3295]} ) ذُكر عنده هاروت وماروت أنهما يعلمان السحر ، فقال( {[3296]} ) : " ننزههما عن هذا " . فقرأ بعض القوم ( وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ ) فقال خالد : لم ينزل/ عليهما . وقرأ الحسن( {[3297]} ) " المَلِكَيْنِ " بكسر اللام( {[3298]} ) ، وقال : " هاروت وماروت علجان من أهل بابل ، وكذلك قرأه( {[3299]} ) عبد الرحمن بن( {[3300]} ) أبزى ، لكنه( {[3301]} ) قال : " هما داود وسليمان " ( {[3302]} ) .
قال السدي : " إذا أتى الملكين أَحَدٌ يتعلم السحر يقولان له : " لا تكفر إنما نحن فتنة " . فإذا أبى قالا له : " إئت هذا الرماد فبل( {[3303]} ) فيه . فإذا بال عليه خرج منه نور ساطع فيسطع( {[3304]} ) حتى يدخل السماء( {[3305]} ) ، وذلك الإيمان . ثم أقبل شيء أسود كهيئة الدخان حتى يدخل في مسامعه فذلك غضب الله . فإذا أخبرهما بما رأى وبما/ فعل علماه " ( {[3306]} ) .
/ ومعنى ( إِنَّمَا نَحْنُ [ فِتْنَةٌ ] )( {[3307]} ) : أي اختبار وابتلاء .
وروي أن الله جل ذكره أخذ( {[3308]} ) على هاروت وماروت( {[3309]} ) الميثاق ألا [ يعلما أحداً ]( {[3310]} ) السحر حتى يقولا له : " إنما نحن فتنة فلا تكفر بفعل السحر " ( {[3311]} ) .
وهذا يدل على قتل الساحر( {[3312]} ) إذا سحر وظفر( {[3313]} ) به من غير استتابة ، لأنه شيء يخفيه فلا يُعلم بصحة توبته منه لو تاب .
ويقال : إنهما كانا( {[3314]} ) يعلمان من السحر ما يفرق به( {[3315]} ) بين( {[3316]} ) الزوجين خاصة كما ذكر الله .
وقوله : ( اِلاَّ بإِذْنِ اللَّهِ ) [ 101 ] .
أي : ( {[3317]} ) بعلمه وقضائه لا بأمره لأن( {[3318]} ) الله سبحانه لا يأمر بالفحشاء ، فلا تقع الفحشاء من فاعلها ، إلا بعلم الله وقضائه وقدره . هذا مذهب أهل السنة والجماعة( {[3319]} ) . وتعليمهم السحر هو فتنة اختبر( {[3320]} ) بها( {[3321]} ) الخلق .
وقيل : هو تعليم إنذار منه وتحذير منه ، لا تعليم دعاء له ورغبة في العمل به( {[3322]} ) .
قوله : ( اِلاَّ( {[3323]} ) بِإِذْنِ اللَّهِ ) .
أي : بقضائه المتقدم أنهم يفعلونه( {[3324]} ) ويضرون به .
وقيل : معناه بعلم( {[3325]} ) الله( {[3326]} ) .
وقوله( {[3327]} ) : ( وَلَقَدْ عَلِمُوا ) [ 101 ] .
قوله : ( لَمَنِ اشْتَرَاهُ )( {[3328]} ) [ 101 ] .
أي : لمن استحبه وقبله وعمل به ، ما له في الآخرة من خلاق .
/ أي : علمت يهود( {[3329]} ) في التوراة أن من اشترى السحر ما له في الآخرة من خلاق .
وقيل : من دين( {[3330]} ) .
وقيل : من قوام( {[3331]} ) .
وقيل : إن ( علموا ) يراد به الشياطين لأنه لو رد إلى اليهود لكان قوله : ( لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) نفى عنهم العلم ، وقد أخبر أنهم علموا( {[3332]} ) .
وقيل( {[3333]} ) : علموا هو للمَلَكَين لأنهم يقولون : لا تكفر ، فقد علموا أنه لا خلاق لمن اشتراه في الآخرة ، وثُني كما يقال : " الزَّيدان قاموا " ( {[3334]} ) .
وقال الزجاج : " علموا " : هم علماء اليهود " ( {[3335]} ) .
وقوله : ( لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) [ 101 ] .
قيل لهم ذلك لأنهم صاروا في محل من لا علم( {[3336]} ) عنده إذ لم ينتفعوا بعلمهم ، فصاروا بمنزلة الجاهل بهذا الأمر ، فنفى عنهم العلم بعد أن أخبر أنهم علموا من أجل ذلك . وهذا مشابه لقوله : ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ )( {[3337]} ) [ البقرة : 17 ] لأنهم لما لم ينتفعوا بهذه الأعضاء كانوا بمنزلة من عَدِمَها ، فوصفوا بذلك وهم غير صم ولا( {[3338]} ) بكم ولا عمي .
( وَشَرَوْا ) هنا بمعنى باعوا . وتقدير الكلام عند الطبري( {[3339]} ) : وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ، ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون " ، أي : يَعْلَمون أنه( {[3340]} ) يضرهم( {[3341]} ) في الآخرة ولا ينفعهم . يريد به الذين يتعلمون السحر للتفريق بين المرء وزوجه .
ثم قال : ( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ )( {[3342]} ) [ 101 ] .
يريد به علماء اليهود . فإيجاب( {[3343]} ) العلم لعلماء اليهود ونفيه هو عن الذين يتعلمونه للتفريق .
وقتل الساحر عند مالك واجب بهذه الآية إذا سحر بنفسه لأنه كفر لقوله تعالى : ( فَلاَ تَكْفُرْ ) . والكافر إذا ستر كفره [ قتل إلا أن ]( {[3344]} ) يأتي قبل أن يُعرف به ، فيخبر بما كان سَتَر ، فإن توبته تقبل . ومثله الزنديق عند مالك يقتل إذا قدر( {[3345]} ) عليه ولا يستتاب . فإن أَظْهَره قبل أن يُظهر( {[3346]} ) عليه استتيب ، فإن تاب وإلا قتل . وهو والزنديق سواء( {[3347]} ) .
/ والزنديق هو الذي يظهر الإسلام ويُسِر الكفر ، فلا تقبل توبته لأنا لا ندري ما في ضميره ، وقد قال تعالى : ( فَلَمْ يَكُ( {[3348]} ) يَنْفَعُهُمُ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا )( {[3349]} ) [ غافر : 84 ] . فلا تنفع الساحر ، [ و ]( {[3350]} ) الزنديق توبتهما إذا ظفر بهما ، وتنفعهما إذا أتيا قبل أن يُقدر عليهما ، كما كان هؤلاء تنفعهم توبتهم قبل/ إتيان العذاب ، ولا ينفعهم ذلك عند رؤية العذاب( {[3351]} ) . وهو قول عثمان بن عفان ، وابن عمر ، وحفصة ، وجماعة من الصحابة والتابعين .
ولا يقتل ساحر أهل الكتاب عند مالك ، ولكن يعاقب إلا أن يقتل بسحره فيقتل أو يُحدِث( {[3352]} ) حَدثاً فيؤخذ منه بقدر ذلك( {[3353]} ) .
وروى( {[3354]} ) ابن وهب( {[3355]} ) عن مالك أنه قال : " لا يقتل ساحر أهل العهد( {[3356]} ) إلا أن يدخل بسحره ضرراً لم يعاهد عليه على مسلم " ( {[3357]} ) .
وكذلك روى ابن القاسم : قال مالك في المرأة تعقد زوجها( {[3358]} ) عن نفسها أو عن( {[3359]} ) غيرها . قال : " ينكل( {[3360]} ) بها ولا تقتل " ( {[3361]} ) .
وقال الشافعي( {[3362]} ) : " لا يقتل الساحر ولكن يسأل عن سحره ، فإن كان كفراً/ استتيب منه ، فإن تاب وإلا قتل ، وكان ماله فيئاً " ( {[3363]} ) .