الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{مَثَلُهُمۡ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسۡتَوۡقَدَ نَارٗا فَلَمَّآ أَضَآءَتۡ مَا حَوۡلَهُۥ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمۡ وَتَرَكَهُمۡ فِي ظُلُمَٰتٖ لَّا يُبۡصِرُونَ} (17)

قوله : ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً ) الآية( {[974]} ) [ 16 ] .

معناه( {[975]} ) مثل هؤلاء المنافقين في حقنهم دماءهم بما أظهروا من الإيمان وَسِتْرِهم على غير( {[976]} ) ذلك ، كمثل الذي استوقد ناراً( {[977]} ) ، فلما أضاءت ما حوله ، ذهب الله بنورهم . فضياء ما حولهم هو ما حقن إقرارهم من دمائهم ومنع من( {[978]} ) أموالهم في الدنيا .

وقوله : ( ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ )[ 16 ] .

هو ما يجدون يوم القيامة من عدم نورهم لأنهم لا ينتفعون بما أظهروا من الإيمان( {[979]} ) إذ كان( {[980]} ) باطنهم خلاف [ ما أظهروا ]( {[981]} ) .

وقوله : ( اسْتَوْقَدَ نَاراً )[ 16 ] . أي استوقدها من غيره .

وقيل : معناه : أوقد ، أي أوقدها هو .

واستفعل في كلام العرب يأتي على وجهين :

- يكون بمعنى استدعى الفعل من غيره نحو قوله :

( وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ( {[982]} ) )( {[983]} ) . أي استدعى أن يسقوا( {[984]} ) .

- ويكون بمعنى فعل( {[985]} ) ، نحو قوله : ( وَاسْتَغْنَى اللَّهُ )( {[986]} ) فلم يستدع غني من واحد ، وبعده : وَاللَّهُ غَنِيٌّ )( {[987]} ) يدل على ذلك .

و " ما " في قوله : ( أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ) في موضع نصب بِ " أَضَاءَتْ " .

وقيل : هي زائدة/ لا موضع لها من الإعراب( {[988]} ) . والمعنى : " فلما أضاءت النار( {[989]} ) ، الموضع الذي بحوله . " فما " غير زائدة( {[990]} ) .

قال قتادة : " هي لا إله إلا الله ، قالوها بأفواههم فَسَلِمُوا بها من القتل حتى إذا ماتوا ذهب الله بنورهم( {[991]} ) " .

قال مجاهد : " هو إقبالهم على المؤمنين والهدى . وذهاب النور ، هو( {[992]} ) إقبالهم على( {[993]} ) الكفار( {[994]} ) .

وقيل : ذهب الله بنورهم ، أي أظهر المؤمنين على ما أبطنوا من الكفر والنفاق .

فبعد أن كان لهم عند المؤمنين نور بما أظهروا من الإيمان صاروا لا نور لهم عندهم ، لما أعلمهم( {[995]} ) به من سوءا أبطنوا .

والقول الأول عليه أكثر المفسرين ؛ أن ذهاب نورهم إنما يكون يوم القيامة وهو الذي ذكره الله في قوله : ( يَوْمَ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ لِلذِينَ ءَامَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ )( {[996]} )( {[997]} ) .

والهاء والميم تعود على " الذي " لأنه بمعنى " الذين كما قال : ( وَالذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلاَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ )( {[998]} ) . وفي هذا اختلاف ستراه في موضعه إن شاء الله( {[999]} ) .

ومنه قول الشاعر :

إنَّ الَّذي حَانَتْ( {[1000]} ) بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ هُمُ الْقَوْمُ كُلَّ الْقَوْمِ يَا وأُمَّ خَالِدِ( {[1001]} ) .

وقيل : تعود على المنافقين المتقدمي الذكر .

وجواب " لما " محذوف تقديره : فلما أضاءت ما حوله طفئت ، ذهب الله بنورهم .

قوله( {[1002]} ) : ( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ )( {[1003]} ) [ 16 ] .

هذا تمثيل للكفر الذي هم فيه يسيرون .

وقيل : هو شيء يكون في الآخرة وهو قوله : ( فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ )( {[1004]} )( {[1005]} ) .

فظلمات جمع ظلمة ، ويجوز إسكان( {[1006]} ) اللام من " ظلمات " استخفافاً ، ومن العرب من يبدل من الضمة فتحة ، فيقول ظُلُمَاتٌ( {[1007]} ) .

وقال الكسائي : " من قال : ظُلُمَات( {[1008]} ) بفتح اللام فهو جمع " ظُلَم " ، و " ظُلَم " جمع " ظُلْمَة " ( {[1009]} ) . ولا يجوز الفتح في مثل هذا الحرف الثاني مما لامه واو( {[1010]} ) ونحو خطوات . إنما/ يجوز الإسكان لا غير . فإن كان اللام ياء لم يجز فيه إلا الإسكان نحو [ كُلْيَةٍ وَكُلْيَاتٍ( {[1011]} ) ] .


[974]:- في ع3: أي.
[975]:- سقط من ع3.
[976]:- في ع2: غيرهم.
[977]:- في ع2: نار. وهو خطأ.
[978]:- سقط من ع3.
[979]:- في ع1، ق: إذا. وهو تحريف.
[980]:- في ع3: كانوا.
[981]:- في ع3: ذلك.
[982]:- انظر: سقط من ق.
[983]:- البقرة آية 59.
[984]:- انظر: البيان 1/59.
[985]:- المصدر السابق.
[986]:- التغابن آية 6.
[987]:- التغابن آية 6.
[988]:- في ع1: العرب.
[989]:- في ع3: الناس. وهو تحريف.
[990]:- في ق: رائدة. وهو تصحيف.
[991]:- انظر: جامع البيان 1/323، والمحرر الوجيز 1/130.
[992]:- في ع3: وهو.
[993]:- في ع3: من.
[994]:- انظر: جامع البيان 1/323-324. والدر المنثور 1/82-83.
[995]:- في ع3: علمهم. وهو تحريف.
[996]:- الحديد آية 13.
[997]:- انظر: المحرر الوجيز 1/132.
[998]:- الزمر آية 32.
[999]:- انظر: جامع البيان 1/320، 321.
[1000]:- في ق: حنث. وهو تحريف.
[1001]:- البيت للأشهب بن رميلة كما في مجاز القرآن 2/130. واللسان 2/1125. وجامع البيان 1/320، والمحرر الوجيز 1/131.
[1002]:- في ع3: وقوله.
[1003]:- تكملة موضحة من ع2.
[1004]:- الحديد آية 13.
[1005]:- انظر: المحرر الوجيز 1/132.
[1006]:- في ق: استكان. وهو تحريف.
[1007]:- انظر: المحتسب 1/56-58.
[1008]:- قوله: "استخفافاً قال ظلمات" سقط من ع2.
[1009]:- انظر: المحتسب 1/56-58.
[1010]:- في ع1، ق: أو. وهو تحريف.
[1011]:- في ع1، ع2، ع3: كلبة وكلبات. وهو تصحيف.