الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ٱللَّهُ يَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ وَيَمُدُّهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (15)

قوله : ( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ )[ 14 ] .

معناه : الله يجازيهم على قولهم . والعرب تسمي( {[934]} ) جزاء الذنب باسمه . قال الله جل ذكره : ( وَجَزَاؤُا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةُ( {[935]} ) مِّثْلُهَا )( {[936]} ) . وقال : ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ )( {[937]} ) .

فالأول من هذا استهزاء وسيئة ، وعدوان ، والثاني : جزاء عليه ، فسمي باسمه اتساعاً لأن المعنى قد علم( {[938]} ) .

وقيل : معنى( {[939]} ) ( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) : أي يقطع عنهم نورهم يوم القيامة إذا أخلوا( {[940]} ) على الصراط [ ويديم نور( {[941]} ) ] المؤمنين وهو قوله : ( فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ )( {[942]} ) ، فهو يعطيهم يوم القيامة نوراً لا يتم لهم ، ولا ينتفعون به/ لانقطاعه عنهم .

وقال الحسن : " إن جهنم تجمد كما تجمد الإهالة( {[943]} ) في القدر ، فيقال لهم : هذا طريق ، فيمضون فيه فيخسف بهم( {[944]} ) إلى الدرك الأسفل من النار( {[945]} ) .

وروى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال : " يقال لأهل النار يوم القيامة : أخرجوا من النار . وتفتح لهم أبواب النار فإذا رأوا الأبواب قد فتحت أقبلوا إليها ، يريدون الخروج منها ، والمؤمنون ينظرون إليهم من الجنة –وهم على الأرائك- فإذا انتهى أهل النار إلى أبوابها يريدون الخروج منها( {[946]} ) غلقت [ أبوابها دونهم( {[947]} ) ] ، فذلك قوله( {[948]} ) : ( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) ، قال : ويضحك المؤمنون( {[949]} ) عند ذلك ، وهو قوله : ( فَاليَوْمَ الذِينَ ءَامَنُوا مِنَ الكُفَّارِ يَضْحَكُونَ )( {[950]} )( {[951]} ) .

وقيل : معنى : ( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) أي يظهر لهم من أحكامه في الدنيا في حقن دمائهم وسلامة أموالهم خلاف ما يظهر لهم من عذابه يوم القيامة جزاء على إظهارهم للمؤمنين في الدنيا خلاف ما يبطنون .

وقيل : معناه : يُمْلي لهم ، كما قال : ( سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ )( {[952]} ) .

/ قوله : ( وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )[ 14 ] .

أي يطيل لهم في الأجل المكتوب لهم ، وهم في طغيانهم يتحيرون( {[953]} ) . والطغيان والعتو والعلو بغير الحق ، والعمه( {[954]} ) التحير( {[955]} ) .

/ وقيل : معنى ( يَعْمَهُونَ ) يركبون رؤوسهم ، فلا يبصرون رشدهم( {[956]} ) كما قال : ( اَفَمَنْ يَّمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ )( {[957]} ) وهذا كله من صفات المنافقين عند أكثر المفسرين .

وقال الضحاك : " هو في اليهود " .


[934]:- في ع1، ق: يسمى. وهو تصحيف.
[935]:- سقط من ق.
[936]:- الشورى آية 37.
[937]:- البقرة آية 193.
[938]:- انظر: هذا المعنى في جامع البيان 1/302-303.
[939]:- في ع3: معناه.. وهو خطأ.
[940]:- في ق، ح: خلوا.
[941]:- في ع1، ق: ويديمون. وهو تحريف.
[942]:- الحديد آية 13.
[943]:- في ع3: الإهانة. وهو تصحيف. والإهالة الزيت، وما أذيب من الشحم، وكل ما أؤدم به. انظر: اللسان 1/126.
[944]:- سقط من ع2، ع3.
[945]:- انظر: المحرر الوجيز 1/125، وتفسير القرطبي 1/208.
[946]:- قوله: "يريدون الخروج منها" ساقط من ع3.
[947]:- في ق: أبوبها ولهم. وهو تحريف.
[948]:- في ع3: قول.
[949]:- في ع2: قال ويضحك المؤمنين.
[950]:- المطففين آية 34.
[951]:- انظر: تفسير القرطبي 1/208، والدر المنثور 1/79.
[952]:- القلم آية 44.
[953]:- في ق: يعمهون يتحيرون. وفي ع3: يعمهون، أي يتحيرون.
[954]:- في ع3: العمة. وهو تصحيف. انظر: معنمى "العمه" في مجاز القرآن 1/32 واللسان 2/891.
[955]:- في ق: المتخير. وهو تصحيف.
[956]:- في ق: وسدهم. وهو تحريف.
[957]:- الملك آية 22.