الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (115)

قوله : ( وَلِلهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ ) الآية [ 114 ] .

معناه : إنَّ لها بين مشرقها/ كل يوم ، ومغربها كل يوم( {[3669]} ) ، وإنما خص الله تعالى ذكره ذا أنه له وإن كان( {[3670]} ) كل( {[3671]} ) الأشياء له لأنه نزل في أمر معين ، وذلك أن اليهود كانت تصلي نحو بيت المقدس ، وصلى( {[3672]} ) النبي صلى الله عليه وسلم معهم إليها ستة( {[3673]} ) عشر شهراً( {[3674]} ) ، ثم رجع إلى الكعبة . فاستعظم اليهود ذلك ، وقالوا : ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ فقال الله جل ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد ، لله( {[3675]} ) المشرق والمغرب يصرف من يشاء إلى أين( {[3676]} ) يشاء فحيثما تولوا فثمّ وجه الله . فهذا أول ناسخ في القرآن لأنه نسخ التوجه إلى بيت( {[3677]} ) المقدس( {[3678]} ) . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس( {[3679]} ) بأمر من الله تعالى ، وكان يحب قبلة إبراهيم [ عليه السلام ]( {[3680]} ) ، وكان يدعو( {[3681]} ) أو ينظر إلى السماء فأنزل الله : ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ )( {[3682]} ) فارتابت اليهود من ذلك فأنزل الله عز وجل : ( وَلِلهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ ) الآية( {[3683]} ) .

وقال قتادة : " هذا منسوخ ، وذلك أن الله تعالى أباح لهم أولاً التوجه حيث شاءوا ، وأخبرهم أنه أينما تولوا وجوهكم فثَمَّ وجه الله ، لأن له المشارق والمغارب ، ثُمَّ نسخ ذلك( {[3684]} ) بقوله : ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ )( {[3685]} ) .

وقال ابن زيد : " لما أنزل( {[3686]} ) على النبي صلى الله عليه وسلم ( وَلِله المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ ) وأباح له التوجه أين شاء . قال : هؤلاء يهود يستقبلون( {[3687]} ) بيتاً من بيوت الله ، فاستقبله النبي صلى الله عليه وسلم معهم( {[3688]} ) فبلغه أنهم قالوا : ما درى محمد ولا أصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم . فكره ذلك النبي/ صلى الله عليه وسلم ورفع وجهه إلى السماء فأنزل الله ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ) الآية ، فاستقبل الكعبة " ( {[3689]} ) .

وقال ابن عمر : " الآية نزلت في التطوع ، وكان يصلي حيثما توجهت به الراحلة ويقول( {[3690]} ) : ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) " ( {[3691]} ) .

وقيل : " نزلت في قوم عميت عليهم القبلة ، فصلوا إلى جهات مختلفة ، فأعلموا أن صلاتهم ماضية " ( {[3692]} ) .

وروى( {[3693]} ) عامر( {[3694]} ) بن( {[3695]} ) ربيعة عن أبيه أنه قال : " كنا مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]( {[3696]} ) في سفر( {[3697]} ) فتغيمت السماء وأشكلت علينا القبلة . قال : فصلينا وعَلِمْنَا ، فلما طلعت الشمس ، إذا( {[3698]} ) نحن صلينا لغير القبلة ، وذكرنا ذلك لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]( {[3699]} ) ، فأنزل الله هذه الآية : ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ )( {[3700]} ) " ( {[3701]} ) .

وقيل : إنها نزلت في أمر النجاشي( {[3702]} ) ؛ قال قتادة : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " إنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِي قَدْ مَاتَ ، فَصَلُّوا عَلَيْهِ . فَقَالُوا : نُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ بِمُسْلِم . فَأَنْزَلَ الله عز وجل( {[3703]} ) : ( وَإِنَّ مِنَ اَهْلِ الكِتَابِ لَمَن يُّومِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ )( {[3704]} ) . فقالوا : وإنه كان لا يصلي إلى( {[3705]} ) القبلة( {[3706]} ) فأنزل الله ( وَلِلهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ ) الآية( {[3707]} )/ . وقد أفردنا كتاباً( {[3708]} ) للناسخ والمنسوخ مبسوطاً/ بأشبع من هذا .

ومعنى : ( وَجْهُ اللَّهِ ) [ 114 ] . أي جهته التي أمرتم باستقبالها .

وقيل : معناه فثمَّ قبلة الله( {[3709]} ) .

وقيل : معناه : فثمَّ الله جلَّ ذكره( {[3710]} ) .

وقوله : ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا ) [ 114 ] . أي : تستقبلوا بوجوهكم .

وقيل : معناه( {[3711]} ) : تستدبروا( {[3712]} ) من " ولَّيْتُ عَنْهُ " . وهو قول غريب( {[3713]} ) .

وقوله : ( وَاسِعٌ ) [ 114 ] أي واسع الرحمة ، ( عَلِيمٌ ) بكم/ وبما في قلب النجاشي من الإيمان .


[3669]:- سقط من ع3.
[3670]:- سقط من ع3.
[3671]:- في ع2: تحل. وهو تحريف.
[3672]:- سقط من ق.
[3673]:- في ح: بضعة.
[3674]:- في ق: شهر. وهو خطأ.
[3675]:- سقط قوله "لله" من ع2.
[3676]:- في ق: أين من.
[3677]:- سقط من ق.
[3678]:- انظر: هذا التوجيه في أسباب النزول 43، ونواسخ القرآن 50.
[3679]:- قوله: "وكان النبي... المقدس" ساقط من ع3.
[3680]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[3681]:- سقط من ق.
[3682]:- البقرة آية 143.
[3683]:- انظر: أسباب النزول 43، ولباب النقول 26.
[3684]:- سقط من ق.
[3685]:- انظر: سنن الترمذي 5/206، والإيضاح لناسخ القرآن 112.
[3686]:- في ح، ق: نزل.
[3687]:- في ق: يستقبلونه. وهو خطأ.
[3688]:- سقط من ع3.
[3689]:- انظر: الإيضاح لناسخ القرآن 110، ونواسخ القرآن 52.
[3690]:- قوله "ويقول" سقط من ع3.
[3691]:- انظر: جامع البيان 2/530، وأحكام ابن العربي 1/34.
[3692]:- انظر: تفسير الغريب 62، وأسباب النزول 42، ولباب النقول 27.
[3693]:- في ع2: روى عن.
[3694]:- هو عامر بن ربيعة بن مالك أبو عبد الله، من حلفاء بني عدي، شهد بدرا، ومات بالمدينة في عهد عثمان. انظر: طبقات ابن خياط 23.
[3695]:- في ق: ابن. وهو خطأ.
[3696]:- في ق، ع3: عليه السلام.
[3697]:- قوله: "في سفر" سقط من ع3.
[3698]:- في ع3: إذ.
[3699]:- في ح: عليه السلام.
[3700]:- سقط قوله "الله" من ع1.
[3701]:- انظر: الإيضاح لناسخ القرآن 113، ونواسخ القرآن 47، وأسباب النزول 42، وأحكام ابن العربي 1/34. ولباب النقول 27، ورواه الترمذي في سننه 5/205، وقال: حسن غريب.
[3702]:- انظر: أسباب النزول 43، ولباب النقول 27.
[3703]:- سقط قوله "عز وجل" من ح.
[3704]:- آل عمران آية 199.
[3705]:- سقط من ع1، ح.
[3706]:- في ع1: للقبلة.
[3707]:- في ع1: الآية. قال الآية. انظر: قول قتادة في نواسخ القرآن 49، ولباب النقول 27. وقد وردت أحاديث كثيرة في الصلاة على النجاشي. انظر: سنن ابن ماجه 1/490-491، ومسند الحميدي 2/540.
[3708]:- في ع2: كتاب. وفي ع3: كتابنا. وانظر: الإيضاح لناسخ القرآن 109-113.
[3709]:- انظر: جامع البيان 2/536، وأحكام ابن العربي 1/35.
[3710]:- انظر: المصدر السابق.
[3711]:- في ع2: معنى. وهو تحريف.
[3712]:- في ع3: تستديروا.
[3713]:- انظر: جامع البيان 2/536.