الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (126)

قوله : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ( {[3978]} ) اجْعَلْ هَذَا بَلَداً امِناً ) [ 125 ] .

قيل : إِنَّ إِبراهيم صلى الله عليه وسلم سأل( {[3979]} ) الله أن يحرم مكة فحرمها( {[3980]} ) ، واحتج من قال ذلك بقول( {[3981]} ) النبي صلى الله عليه وسلم : " إنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ وإني عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ( {[3982]} ) وإِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا( {[3983]} ) " ( {[3984]} ) .

وقال قائلون : " لَمْ تُحَرَّم بسؤال إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، بل كانت حراماً ، [ واحتجوا بقول النبي عليه السلام ]( {[3985]} ) يوم افتتح( {[3986]} ) مكة/ : " هَذِهِ حَرَامٌ حَرَّمَهَا اللّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ : لَمْ تَحِلّ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي ، وَلاَ تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي . . أُحِلَّتْ لِي سَاعَةَ مِنْ نَهَارٍ " ( {[3987]} ) . واحتجوا بقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم ( رَبَّنَا إِنِّيَ أَسْكَنْتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ )( {[3988]} )( {[3989]} ) .

وكان الطبري يجمع بين الخبرين ، ويقول : " إن الله عز وجل حرّم مكة وقضى ذلك ، ولم يتعبد الخلق بذلك حتى سأله إبراهيم/ أن( {[3990]} ) يتعبد الخلق بذلك فأجابه . فإبراهيم كان سبب تعبد الخلق بتحريمها والتعبد بذلك( {[3991]} ) ، والله تعالى قد حرّمها يوم خلق السماوات والأرض " ( {[3992]} ) .

وقوله : ( عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ ) [ إبراهيم : 39 ] . معناه الذي حرمته عندك ، ولم تتعبد( {[3993]} ) الخلق به . وروي أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم/ لما دعا فقال : ( وَارْزُقْ اَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ) [ 125 ] أجاب الله عز وجل دعاءه : فبعث جبريل عليه السلام/ إلى الشام ، فاقتلع منها الطائف من موضع الأردن ثم طاف بها حول الكعبة أسبوعاً ، ولذلك سميت الطائف( {[3994]} ) . ثم أنزلها تهامة ولم يكن يومئذ بمكة غير إسماعيل صلى الله عليه وسلم ، ثم نزلت جرهم مع إسماعيل صلى الله عليه وسلم بمكة ، فلم يزالوا( {[3995]} ) على الإسلام حتى نشأ عمرو( {[3996]} ) بن( {[3997]} ) [ لحي الجرهمي فَغَيَّرَ ]( {[3998]} ) دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعَبَدَ الأصنام ، وسَيَّبَ السوائب ، وبَحَّرَ البحيرة وحَمَى الحامي ، وَوَصَلَ الوصيلة ، وغلب( {[3999]} ) مكة ، وقهر أهلها . وهم ولد إسماعيل صلى الله عليه وسلم – وهو [ الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ]( {[4000]} ) : رَأَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ يَجرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ " ( {[4001]} ) أي : أمعاءه .

قوله : ( قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ) [ 125 ] .

ذلك إخبار من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم قاله أبي بن كعب( {[4002]} ) . أي : أنا أرزق البر والفاجر فأمتع( {[4003]} ) الفاجر قليلاً .

وقال ابن عباس : " هو( {[4004]} ) من قول إبراهيم صلى الله عليه وسلم سأل( {[4005]} ) ربه عز وجل أن يرزق من كفر فيمتعه قليلاً " ( {[4006]} ) .

ويجب على هذا التأويل وصل ألف " أَضْطَرُّهُ " ، وفتح ألفَ أُمتِّعُهُ " ( {[4007]} ) . ويجب أيضاً بناء الفعلين/ على السكون لأنه طلب كالأمر ، ولأنه ؟ ( {[4008]} ) سؤال من إبراهيم صلى الله عليه وسلم لله عز وجل ، وإن كان الخبر من عند الله سبحانه كانت الألف في " أمتعه " ألف المتكلم ، وكذلك هي في " أضطره " ، ويرتفع الفعلان لأنهما إخبار عن( {[4009]} ) الله جل ذكره( {[4010]} ) .

ومعنى ( أَضْطَرُّهُ ) أكرهه وألجئه( {[4011]} ) إلى ذلك .


[3978]:- سقط من ع3.
[3979]:- في ع1: تسأل.
[3980]:- في ق: فحرامهما. وهو تحريف. وانظر: هذا القول في جامع البيان 3/48.
[3981]:- في ق: يقول. وهو تصحيف.
[3982]:- في ع3: رسول.
[3983]:- واللابة: الحَرَّة، وهي الأرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت. انظر: اللسان 7/407.
[3984]:- انظر: صحيح مسلم 2/991.
[3985]:- في ع3: واحتاجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم.
[3986]:- في ع2: أفتح. وهو تحريف.
[3987]:- انظر: صحيح البخاري 8/38، وسنن ابن ماجه 2/1038، وسنن الترمذي 3/173-174.
[3988]:- إبراهيم آية 39.
[3989]:- انظر: سنن ابن ماجه 2/1039، وجامع البيان 3/47.
[3990]:- في ق: عليه أن.
[3991]:- سقط من ع3.
[3992]:- انظر: جامع البيان 3/50.
[3993]:- في ع3: تعتد. وهو تحريف.
[3994]:- انظر: المحرر الوجيز 1/355.
[3995]:- في ع2: يزلوا. وهو تحريف.
[3996]:- في ع3: عمر. وهو تحريف.
[3997]:- في ع1: ابن. وهو تحريف.
[3998]:- في ع3: يحيى الجهرمي فعير. وهو تحريف.
[3999]:- في ع2: علب. وهو تصحيف.
[4000]:- في ع3: التي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم.
[4001]:- رواه البخاري. انظر: صحيحه 5/191.
[4002]:- انظر: جامع البيان 3/53، تفسير القرطبي 2/115.
[4003]:- في ع3: فأمتنع. وهو تحريف.
[4004]:- سقط من ع3.
[4005]:- سقط من ع3.
[4006]:- معاني الفراء 1/78، والمحرر الوجيز 1/356، وتفسير القرطبي 2/119.
[4007]:- المصدر السابق.
[4008]:- سقط من ع3.
[4009]:- في ع2، ع3: من.
[4010]:- انظر: هذا التوجيه في معاني الأخفش 1/147-148، والمحتسب 1/105-106.
[4011]:- في ع2، ع3: ألجأه. وهو خطأ.