الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَيۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۚ وَلَا تُقَٰتِلُوهُمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِيهِۖ فَإِن قَٰتَلُوكُمۡ فَٱقۡتُلُوهُمۡۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (191)

قوله( {[6171]} ) : ( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) [ 190 ] أي : في أي مكان تمكنتم بهم . ومعنى " الثقافة بالأمر " : الحذق به( {[6172]} ) والبصر . ومعنى " التَّثْقِيفِ " : التقويم( {[6173]} ) .

ثم قال : ( وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ) [ 190 ] .

هذا خطاب للمهاجرين أُمروا أن يُخرجوا الكفار من مكة ، وهو الموضع الذي هاجروا –هم( {[6174]} )- منه ، وأُخرجوا .

( وَالفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ ) [ 190 ] .

أي الشرك والكفر . هذا قول قتادة( {[6175]} ) ؛ أي( {[6176]} ) أن يُقتل أحب إليه من أن يكفر وأصل الفتنة الاختبار( {[6177]} ) والابتلاء( {[6178]} ) . فمعناه الاختبار( {[6179]} ) الذي يؤدي إلى الكفر أشد من القتل .

قوله : ( وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ ) الآية [ 190 ] .

وجه قراءة حمزة( {[6180]} ) والكسائي : " وَلاَ تَقْتُلُوهُمْ " بغير ألف( {[6181]} ) ، من القتل حتى [ يقتلوكم مثله ، فإن قتلوكم ]( {[6182]} ) مثله ، أنهم أمروا ألا يقتلوا( {[6183]} ) أحداً عند المسجد الحرام حتى يُقتلَ بعضهم فقال : [ ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم ]( {[6184]} ) أي يقتلوا بعضكم . والعرب تقول : " قد قُتل بنو فلان " ولم يُقتل غلا الأقل منهم . " ومات الناس " ولم يمت إلا الأقل منهم( {[6185]} ) . فأما معنى قراءة الجماعة بالألف( {[6186]} ) في الثلاثة من القتال ، فهو أنهم أمروا ألا يبدأوا( {[6187]} ) بالقتال في المسجد الحرام حتى يبدأواهم ، فإن بدأوهم به ، قاتلوهم وقتلوهم( {[6188]} ) .

وقال قتادة : " أمروا ألا يقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يبدأوهم/ثم نسخ ذلك بقوله : ( وَقَاتِلُوهُمْ ) ( حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ )( {[6189]} ) أي : لا يكون شرك ( وَيَكُونَ( {[6190]} ) الدِّينُ لِلهِ ) أي يقال : لا إله إلا الله محمد رسول الله " ( {[6191]} ) .

وروي عن( {[6192]} ) قتادة أيضاً أنها منسوخة بقوله : ( فَإِذَا انسَلَخَ الاَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ ) ، [ التوبة : 5 ] . فأمروا بالقتال ، ( حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ )( {[6193]} ) عند [ انسلاخ الأشهر في الحل و ]( {[6194]} ) الحرم حتى يشهدوا [ أن لا إله إلا الله وأن ]( {[6195]} ) محمداً رسول الله " ( {[6196]} ) .

وقال مجاهد : " الآية غير منسوخة ، ولا يحل لأحد أن يقاتل في الحرم أحداً إلا أن يبدأه بذلك فيقاتله " ( {[6197]} ) . واحتَجَّ بحديث( {[6198]} ) النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : " إِنَّ مَكَّةَ( {[6199]} ) حَرَامٌ بِحُرْمَةِ الله لَمْ تَحِل لِأَحَدٍ قَبْلِي ، وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي " ( {[6200]} ) .

وأكثر الناس على أنها منسوخة ، وأن المشركين يُقاتلون في كل موضع بقوله : ( فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ) –وبراءة نزلت بعد البقرة- وبقوله : ( وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً )( {[6201]} ) ، والحجة بما ثبت نصه وتلاوته أولى من غيره( {[6202]} ) .


[6171]:- في ع3: وقوله.
[6172]:- سقط من ق.
[6173]:- في ق: كالتقويم. وانظر: هذا الشرح في اللسان 1/364-365.
[6174]:- سقط من ع3.
[6175]:- انظر: جامع البيان 3/565. وهو أيضاً قول ابن مسعود في تفسيره 2/93، وابن قتيبة في تفسير الغريب 76.
[6176]:- سقط من ع3.
[6177]:- في ق: الاختيار. وهو تصحيف.
[6178]:- انظر: اللسان 2/1049.
[6179]:- في ق: الاختيار. وهو تصحيف.
[6180]:- هو حمزة بن حبيب الزيات أبو عمارة الكوفي، أحد القراء السبعة. أخذ القراءة عرضاً عن سليمان الأعمش وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وروى عنه ابن المبارك. وثقه ابن معين والنسائي (ت 156هـ). انظر: طبقات القراء 1/261-263، وتقريب التهذيب 1/199، والخلاصة 1/255.
[6181]:- وقرأ باقي السبعة بالألف. انظر: كتاب السبعة 179-180، والتبصرة 159، والكشف 1/285، والتيسير 80، والحجة 127-128، والنشر 2/227، والتحبير 91.
[6182]:- في ع3: يقاتلوكم مثله، فإن قاتلوكم.
[6183]:- في ع2، ع3: يقاتلوا.
[6184]:- في ع3: تقاتلوهم حتى يقاتلوكم.
[6185]:- انظر: معاني الفراء 1/116، والحجة 127.
[6186]:- وقرأ باقي السبعة بالألف. انظر: كتاب السبعة 179-180، والتبصرة 159، والكشف 1/285، والتيسير 80، والحجة 127-128، والنشر 2/227، والتحبير 91.
[6187]:- في ق: يبدأ.
[6188]:- سقط قوله: "قاتلوهم و" من ع3.
[6189]:- سقط من ع3.
[6190]:- في ع3: لا يكون.
[6191]:- انظر: كتاب الناسخ 33، وتفسير الغريب 77، والإيضاح لناسخ القرآن 131، ونواسخ القرآن 72.
[6192]:- سقط من ع3.
[6193]:- التوبة الآية 5.
[6194]:- في ق: الأشهر.
[6195]:- في ع3: لا إله إلا الله.
[6196]:- انظر: جامع البيان 3/567، والمحرر الوجيز 2/102.
[6197]:- انظر: الإيضاح لناسخ القرآن 132، ونواسخ القرآن 72-73.
[6198]:- في ق: يحدث. وهو تحريف.
[6199]:- قوله: "إن مكة" ساقط من ع2.
[6200]:- انظر: صحيح البخاري 8/38، وسنن الترمذي 3/173-174.
[6201]:- التوبة آية 36.
[6202]:- انظر: هذا التوجيه في الإيضاح لناسخ القرآن 132، وتفسير القرطبي 2/352-353.