الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالٗا فَخُورًا} (36)

قوله تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) الآية [ 36 ] .

تم الجزء( {[12383]} ) .

قوله : ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) أي : وأحسنوا بهم إحساناً كقولك ضرباً زيداً ، بمعنى اضرب زيداً( {[12384]} ) ، وأجاز الفراء رفع إحساناً بالابتداء ، والمخفوض الخبر( {[12385]} ) كأنه قال : وعليكم بالوالدين إحسان( {[12386]} ) . ومعنى الآية : أن الله تعالى أمر عباده بالتذلل له والطاعة ولا يشركوا به ، وأمرهم بالإحسان إلى الوالدين ، وإلى ذي القربى ، واليتامى ، والمساكين وإلى الجار ذي القربى ، وهو ذو القرابة ، والرحم منك ، قاله ابن عباس وغيره( {[12387]} ) . وقيل : هو الذي جمع الجوار والقرابة فله حقان ، قاله الضحاك وقتادة وابن زيد( {[12388]} ) .

وقيل : هو الذي تقرب منك( {[12389]} ) بالإسلام والجوار ، لا بالرحم( {[12390]} ) .

( وَالجَارِ الجُنُبِ ) هو الذي يبعد منك لا قرابة بينك وبينه ، [ قاله ابن عباس( {[12391]} ) ، وقال قتادة ومجاهد : هو جارك الذي ليس بينك وبينه ]( {[12392]} ) قرابة فله حق الجوار( {[12393]} ) .

وقال السدي : هو الغريب يكون بين القوم( {[12394]} ) ، وقال : الجار الجنب : الزوجة ، ذكره ابن وهب عن بعض رجاله .

وقيل : هو اليهودي والنصراني( {[12395]} ) .

( الْجُنُبِ ) البعيد ، ومنه اجتنب فلان فلاناً إذا بعد منه( {[12396]} ) ، ومنه قيل للجنب : جنب لبعده من الطهر ، والصلاة حتى يغتسل ، ومنه قيل : رجل أجنبي أي بعيد غريب ، فمعنى ذلك : والجار المجانب للقرابة أي : البعيد منها .

وسئل أعرابي عن الجار الجنب فقال : هو الذي يجيء فيحل حيث تقع عليه عينك .

وقال القتبي : الجيران على أربعة أقسام أحدهم : من ساكنك في الدار ولهذا سمت( {[12397]} ) العرب الزوجة جارة ، وقال الأعشى( {[12398]} ) لامرأته :

أيا جارتنا( {[12399]} ) بيني فإنك طالقة كذاك أمور الناس غاد وطارقة .

والثاني : الملاصق منزلك ، والثالث : الذي معك في المحلة ، وإن لم يلاصقك وعلى هؤلاء الثلاثة وقعت الوصية من الله عز وجل والرابع : هو الذي جمعك وإياه بلد واحد يقول الله تعالى في المنافقين : ( ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً )( {[12400]} ) يعني المدينة .

وكان الأوزاعي يقول : الجوار أربعون دار من كل ناحية . وقيل من سمع الإقامة فهو جار .

قال علي رضي الله عنه : من سمع النداء فهو جاء المسجد .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الجيران ثلاثة : جار ( له )( {[12401]} ) عليك حق وهو ( غير )( {[12402]} ) المسلم ، له عليك حق الجوار ، وجار له عليك حقان هو المسلم ، له حق الجوار وحق الإسلام ، وجار له عليك ثلاثة حقوق ، وهو المسلم ذو القرابة له حق الجوار وحق الإسلام وحق القرابة " ( {[12403]} ) .

قوله : ( وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ) الآية [ 36 ] .

قال ابن عباس وغيره : هو رفيق الرجل في سفره ، وكذلك قال قتادة ومجاهد وعكرمة( {[12404]} ) .

وعن ابن عباس : هو الرجل الصالح( {[12405]} ) .

وكذلك روي عن علي رضي الله عنه ، والحسن بن علي : أنه امرأة الرجل . وعن ابن عباس مثله( {[12406]} ) ، وهو قول النخعي وابن أبي ليلى . وقال ابن جريج وابن زيد : هو الذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك ورفقك( {[12407]} ) .

( وَابْنِ السَّبِيلِ ) المسافر يجتاز بك ماراً ، قاله مجاهد وقال الضحاك : هو الضعيف( {[12408]} ) . والسبيل : الطريق ، وابنه صاحبه الماشي فيه فله حق على من يمر به إذا كان مستقره في غير معصية ، وأضيف إلى الطريق لأنه إليها يأوي وفيها يبيت .

قوله : ( وَمَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُم ) يعني حض( {[12409]} ) الله تعالى [ خلقه ] بجميع( {[12410]} ) ما ذكر أن يحسنوا إليهم ، قوله : ( مُخْتَالاً ) أي : ذو خيلاء وهو المفتعل من خال الرجل يخول :

" والخال ثوب من . . . . . . . . . . " ( {[12411]} ) .

والفخور المفتخر على عباد الله عز وجل بما أنعم الله تعالى عليه من رزقه ، وهو مع ذلك كفور لربه عز وجل لا يشكره ، فهو مستكبر على ربه سبحانه ، مستطيل مفتخر على عباد الله جلت عظمته ، وقال مجاهد المختال : المتكبر( {[12412]} ) .


[12383]:- ساقط من (ج) وهو جزء بدون رقم في كل النسخ.
[12384]:- انظر: معاني الزجاج 2/50.
[12385]:- معاني الفراء 1/266.
[12386]:- الرفع قراءة شاذة تنسب إلى ابن أبي عبلة. انظر: الجامع للأحكام 3/182 والبحر 3/244، وفي (ج) (د) إحساناً وهو خطأ.
[12387]:- انظر: جامع البيان 5/170-179.
[12388]:- انظر: المصدر السابق.
[12389]:- (أ): منك الإسلام.
[12390]:- انظر: المصدر السابق.
[12391]:- انظر: المصدر السابق.
[12392]:- ساقط من (أ).
[12393]:- انظر: المصدر السابق.
[12394]:- انظر: المصدر السابق.
[12395]:- انظر: المصدر السابق.
[12396]:- انظر: مجاز القرآن 1/26، وتفسير الغريب 126.
[12397]:- (ج): سميت.
[12398]:- الأعشى هو ميمون بن قيس بن جندب توفي 7 هـ من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، وأحد أصحاب المعلقات، غزير الشعر سلك فيه كل مسلك. انظر: الشعر والشعراء 1/78، وطبقات ابن سلام 1/92، والأغاني 9/104.
[12399]:- (أ): أيا جربني. (ج): ليا خرتني بني. (د): يا جارتني منيني وكلها تحريف لكلمة أيا جارتنا بيني والتصويب من ديوان الأعشى 122. والشاهد في البيت هو استعمال الشاعر كلمة جارة يخاطب بها امرأته.
[12400]:- الأحزاب آية 60.
[12401]:- ساقط من (د).
[12402]:- ساقط من (ج) (د).
[12403]:- خرجه ابن كثير وضعفه. انظر: تفسير ابن كثير 1/496. [يقول المدقق: رواه عن البزار والطبراني في السند الشاميين (2373) مطولاً و(2401) مختصراً.
[12404]:- انظر: جامع البيان 5/80.
[12405]:- انظر: جامع البيان 5/81.
[12406]:- انظر: المصدر السابق.
[12407]:- انظر: جامع البيان 5/82.
[12408]:- انظر: جامع البيان 5/83.
[12409]:- (د): نص وهو تحريف.
[12410]:- ساقط من (أ) (ج).
[12411]:- الجملة طرف من بيت شعري للعجاج وتمامه: والخال ثوب من ثياب الجهال والدهـر فيه غفلة الغفـال والمـرء يبليه بلاء سربـال كر الليالي واختلاف الأحوال والشاهد في البيت هو أن الشاعر جعل الخال هنا ثوباً، وإنما هو الكبر. انظر: مجاز القرآن 1/127، وجامع البيان 5/84. واللسان خول (11/228). والعجاج هو أبو الشعثاء العجيلي عبد الله بن رؤبة بن لبيب العدوي توفي 90 هـ راجز مجيد، ولد في الجاهلية، ثم أسلم وعاش إلى أيام الوليد. انظر: الشعر والشعراء 2/493.
[12412]:- انظر: جامع البيان 5/84.