الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم } إلى قوله : { عليم حكيم } الآيات [ 2-8 ] .

أي : لا تسابقوه بالكلام وتغلظوا له في الخطاب .

{ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض }

أي : لا تنادوه باسمه كما ينادي بعضكم بعضا باسمه ، ولكن عظموه ووقروه {[64261]} ونادوه {[64262]} بأشرف ما يحب {[64263]} أن ينادى ، قولوا : يا رسول الله ، يا نبي الله . وهذا كله أمر من الله عز وجل {[64264]} للمؤمنين بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وإجلاله {[64265]} ، وهو مثل قوله {[64266]} : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } {[64267]} .

روي : أن أبا بكر لما نزلت هذه الآية قال : أقسمت بالله ألا أكلم رسول الله صلى الله عليه {[64268]} وسلم إلا كأخي السرار {[64269]} {[64270]} .

وقد كره جماعة من العلماء رفع الصوت عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحضرة العلماء اتباعا لأدب الله عز وجل {[64271]} وتعظيما لرسول الله بعد موته كما كان يحب في حياته ، وتشريفا للعلم ، إذ العلماء ورثة الأنبياء {[64272]} .

وقد روى عبادة {[64273]} بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف بعالمنا " {[64274]} .

وروي : أن هذه الآية نزلت في ثابت بن قيس {[64275]} بن شماس الأنصاري وكان خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم/ في مفاخرة بني تميم للأقرع بن حابس وكان في أذنيه صمم ، فكان إذا تكلم أعلى صوته ، فلما نزلت هذه الآية أقام في منزله ، وخشي أن يكون حبط عمله {[64276]} . فعند ذلك شاكى أبو بكر ألا يكلم النبي صلى الله عليه وسلم {[64277]} إلا كأخي السرار {[64278]} {[64279]} فأنزل الله عز وجل {[64280]} في أبي بكر ومن فعل فعله .


[64261]:ع: "وقروه": بسقوط واو العطف.
[64262]:ع: "وناداه": وهو تحريف.
[64263]:"لجيم: وهو تحريف.
[64264]:ع: "تعالى جل ذكره".
[64265]:ع: "وجلاله".
[64266]:ع: "قوله تعالى".
[64267]:النور: 61.
[64268]:ساقط من ع.
[64269]:ع: "السراري".
[64270]:انظر: إعراب النحاس 4/208، وتفسير القرطبي 16/306، وابن كثير 4/207، والدر المنثور 7/458، وأسباب النزول 283.
[64271]:ساقط من ع.
[64272]:راجع البحر المحيط 8/105.
[64273]:عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي، أبو الوليد المدني، أحد النقباء بدري مشهور، حدث عنه أبو أمامة الباهلي وأنس بن مالك وخالد بن معدان وغيرهم ساقه له بقي في مسنده مائة وإحدى وثمانين حديثا، وله في البخاري ومسلم ثقة، مات بالرملة سنة أربع وثلاثين وهو ابن اثنين وسبعين سنة. انظر: طبقات ابن سعد 3/545- 621 والجرح والتعديل 6/95، وسير أعلام النبلاء 2/5، والاستيعاب 2/807، وتقريب التهذيب 1/395، وشذرات الذهب 1/40-62.
[64274]:أخرجه الترمذي في كتاب: البر والصلة 3/215، وأبو داود في سنته (حديث رقم 4943).
[64275]:ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي الأنصاري، صحابي، كان خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد وفي الحديث: نعم الرجل ثابت، قتل في اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر. انظر: صفة الصفوة 1/626، والاستيعاب 1/200، والإصابة 1/275 والأعلام 1/98.
[64276]:انظر: جامع البيان 26/75، وزاد المسير 7/456، وأسباب النزول 287، والدر المنثور 7/548، ولباب النقول 200.
[64277]:ساقط من ع.
[64278]:ع: "السراري".
[64279]:"السرار: المساررة: "أي كصاحب السرار، أو كمثل المساررة تخفض صوته، والكاف صفة لمصدر محذوف". انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير 2/360.
[64280]:ساقط من ع.