تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ} (7)

الآية 7 : [ وهو قوله تعالى : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) ]{[139]}

لكن تأويل من يرد إلى الخصوص يتوجه وجهين :

أحدهما : أنه أنعم عليهم بمعرفة الكتب والبراهين ، فيكون على التأويل الثاني من القرآن والأدلة .

والثاني : أن يكون لهم خصوص في الدين ، قدموا [ به ]{[140]} على جميع المؤمنين كقول داوود وسليمان : ( الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ) [ النمل : 15 ] وعلى هذا الوجه يكون ( اهدنا ) .

ووجه آخر ، وهو الخصوص الذي خص به كثيرا من المؤمنين من بين غيرهم . لكن الثنيا تدل على صرف الإرادة إلى جملة المؤمنين إذا انصرف إلى( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .

وقوله تعالى : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) على قول المعتزلة : ليس لله على أحد من المؤمنين نعمة ليست على ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) إذ لا نعمة من الله عز وجل على أحد إلا الأصلح في الدين والبيان للسبيل المرضي ، وتلك قد كانت على جميع الكفرة . فيبطل على قولهم الثنيا ، والله الموفق .

الآية 7 : [ وقوله تعالى ]{[139]} ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ اختلف فيه ]{[140]} :

من قال : هو واحد ؛ إذ كل [ ضال ]{[3]}قد استحق الغضب عليه ، وكل مغضوب عليه استحق الوصف الضلال . ومنهم من قال ( المغضوب عليهم ) هم اليهود ، وإنما خصوا بهذا بما كان منهم من فضل تمرد وعتو ، لم يكن ذلك من النصارى : نحو إنكارهم عيسى عليه السلام وقصدهم قتله مما لم يكن ذلك من النصارى ثم قولهم في الله : ( يد الله مغلولة ) الآية [ المائدة : 64 ] وقولهم ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ) الآية [ آل عمران : 181 ] وقول الله تعالى فيهم ]{[4]} ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود ) الآية [ المائدة : 82 ] وكفرهم برسول الله ( ص ) بعد استفتاحهم وشدة تعنتهم وظهور النفاق . فاستحقوا بذلك اسم الغضب عليهم ، وإن كانوا شركاء غيرهم في اسم الضلال . وبالله التوفيق .

وفي هذا وجه آخر [ وهو ]{[5]} أن تحمل الذنوب على وجهين :

أحدهما{[6]} : ما يوجب الغضب ، وهو الكفر .

والثاني{[7]} : ما يوجب اسم الضلال ، وهو ما دونه كقول موسى ( فعلتها إذا وأنا من الضالين ) [ الشعراء : 20 ] .

ورؤية الهداية لأهلها{[8]} والتعوذ به من كل ضلال ومن جميع ما يوجب مقته وغضبه ، وبالله النجاة والخلاص ، مع ما في خبر القسمة وعد جليل من رب العالمين في إجابة العبد مما يرفع إليه من الحوائج إذ قال : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " [ مسلم 395/40 ] ثم صير آخر السورة لعبده .

وليس في صلاته{[9]} سوى إظهار الفقر ورفع الحاجة وطلب المعونة والاستهداء إلى ما ذكر من{[10]} التعوذ عما وصف . وليس ذلك مما يوصف به العبد أنه له . فثبت أن له في ذلك إجابة ربه في ما أمره به ، ووعد ذلك ، وهو لا يخلف وعده .

فأنّى لا يحتمل ذلك بعد{[11]} أمره العبد بالذي تضمنه أول السورة ، فقام به العبد مع لؤمه وجفائه ، والله بكرمه وجوده لا ينجز له ما وعد ؟ لا يكون هذا البتة . وقد قال ( ادعوني أستجب لكم ) [ غافر : 60 ] وغير ذلك مما فيه الإنجاز وأنه لا يخلف الميعاد .

ثم [ قد جعلت ]{[12]} بما جاء من الحديث [ في تلاوتها ]{[13]} أن [ الله تعالى قدمها ]{[14]} على التوراة والإنجيل [ في الثواب ]{[15]} [ وعدلها بثلثي ]{[16]} القرآن ، وجعلها{[17]} شفاء من أنواع الأدواء للدين والنفس والدنيا ، وجعلها{[18]} معاذا من كل ضلال وملجأ إلى كل نعمة ، وبالله نستعين ، مع ما أوضح في الأسماء التي لقب بها فاتحة القرآن عظيم [ موقعها وجليل قدرها ]{[19]} وهو أن سماها{[20]} فاتحة القرآن بما [ بها يفتتح ]{[21]} القرآن ، وكذلك روي عن رسول الله ( ص ) أنه كان يفتتح القراءة بها{[22]} . وسماها{[23]} فاتحة الكتاب لما بها تفتتح كتابة المصاحف والقرآن وسماها{[24]} أم القرآن لما [ تؤم غيرها ]{[25]} في القراءة .

وقيل : الأم بمعنى الأصل ، وهو ألا يحتمل شيء مما فيه النسخ ولا الرفع ، فصار أصلا .

وسماها{[26]} المثاني لما تثنى في الركعات ، ولا قوة إلا بالله .

وفي قوله : ( اهدنا ) إلى آخره وجهان سوى ما ذكرنا ؛ إذ قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) دعاء كاف عما تضمن إلى آخر السورة ؛ إذ ليس فيها غير تفسير هذه الجملة :

أحدهما : تذكير نعم الله على الذين يقبلون دينه في قلوبهم ، والتوفيق [ لهم بذلك ]{[27]} وإفضاله عليهم بما ليس لهم عليه .

والثاني : تعوذهم عن كل زيغ ومقت وضلال وذنب والتجاؤهم إليه في ذلك بقوله : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين )


[3]:- من ط ع، الواو ساقطة من الأصل.
[4]:- من ط ع، في الأصل: الشكر.
[5]:- من ط ع، في الأصل: ذا.
[6]:- نفسه.
[7]:- لم تدرج مقدمة المصنف في ط م.
[8]:- في ط ع: الحق.
[9]:- في ط م: ليكون.
[10]:-في ط ع: نقصانا.
[11]:- في ط م: خاص.
[12]:- في النسخ الثلاث: يمكن.
[13]:- في ط م: التكبير.
[14]:- في ط ع: معه، ساقطة من الأصل.
[15]:- في ط م: المحبة والخلق.
[16]:- ساقطة من ط م.
[17]:- ساقطة من ط م.
[18]:- من ط م، في ط ع: الله ساقطة من الأصل.
[19]:- في ط م: أنه.
[20]:- من ط م، في الأصل: يجيء، في ط ع: يسمي.
[21]:- من ط ع.
[22]:- الواو ساقطة من الأصل و ط م.
[23]:-في ط ع: من التربية، ساقطة من الأصل و ط م.
[24]:- في ط ع: إن.
[25]:- أدرج قبلها في ط م و ط ع: أنه.
[26]:- في النسخ الثلاث: أنه سيد.
[27]:-في الأصل: بجميع.
[139]:- ساقطة من النسخ الثلاث.
[140]:- من ط م.