الآية 180 وقوله تعالى : ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) تكلموا فيه بأوجه : قيل : إنه منسوخ بما بين عز وجل في آية أخرى من حق الميراث ، ومنهم من قال : لم ينسخ . ثم قيل فيه بوجهين : قيل : إنه قد كان ذلك لأن الناس كانوا حديثي{[2065]} عهد في الإسلام ؛ يسلم الرجل ، ولا يسلم أبواه . فقوله : ( كتب ) إنما وقع على من كان لا يرث ، ومنهم من يقول بأنها كانت للوارث ، ولم ينسخ ، ولربما يقع الأمر في غير من يرث ممن ذكر . لكن في ذلك ذكر ( كتب ) ، وذلك إيجاب ، ولا يحتمل أن يفرض عليهم مع التحذير عن اتخاذهم أولياء بقوله : ( لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء ) [ التوبة : 23 ] ، وقوله{[2066]} : ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون ) الآية{[2067]} [ المجادلة : 22 ] وفي إلزام الفرضية من حيث المعروف إبقاء الموالاة وإلزام المحبة ، وقد حذر وجود ذلك ، فثبت أن الآية فيمن يتوارثون اليوم ، كلها نسخت ، والله أعلم .
ومنهم من يقول : لا ، ولكنه وقع على من كان يرث وعلى من [ كان لا يرث ]{[2068]} بقوله : ( كتب عليكم ) ، فهو كان مكتوبا عليهم مفروضا في حق الوصاية .
ثم من رأى نسخه استدل بقوله : ( يوصيكم الله في أولادكم ) [ النساء : 11 ] ؛ ذكر فيه الوصية على بيان كل ذي حق حقه . فليس الذي أوصى الله يمنع وصايته التي كتب عليهم . لكن في الآية دليل ، لم ينسخ بهذه ، لوجهين . {[2069]}
أحدهما : قوله : ( يوصيكم الله ) ؛ فهو وصية ، ذكره كذكر الوصاية في الأول ؛ ففيه جعل حقا{[2070]} كالحق المجعول لهم إذا لم يذكر ذلك الوصية مع الميراث ، ثم نفاه .
والوجه الآخر : أنه قال : ( من بعد وصية يوصين بها أو دين ) [ النساء : 12 ] فجعل حكم الإرث على ذكر الوصية ، والإرث بعد الوصية ، فبان أن لها حكم البقاء .
ثم قيل فيه بوجهين : قال قائلون : قوله : ( يوصيكم الله في أولادكم ) [ النساء : 11 ] لم يكن ميراثا ، ولا هو من أجل{[2071]} الميراث ؛ فحدوث الإرث به يمنع حق القطع عنه بالمكتوب الأول . ومنهم من جعل ذلك فيمن كان وارثا فورد البيان من بعد يقطع عنه المكتوب له .
ثم من الناس من ادعى نسخ هذا بقوله : ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا ) [ النساء : 7 ] ولو جعل الوصي له ما جعل الله لهم فيه النصيب{[2072]} ، خص به الكثير دون القليل ، فثبت أن ذلك الكتاب رفع عنهم مما جعل لهم الحق في الذي ذكر ، قل أو كثر .
ثم الوجه فيه عندنا : هو أنه لم يكن نسخ بهذه الآيات على ما قاله بعض الناس ، فهو منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " [ الترمذي : 2121 ] فبين أنه قد كان أعطى ذا حق حقه على رفع ما كانت لهم من الوصاية فيه .
ثم اختلفوا في الخبر الذي روي أن الله تبارك وتعالى قد " أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " [ الترمذي : 2121 ] " : قال[ قائلون : لا ]{[2073]} يجوز ورود النسخ على الآية ، إذ السنة لا ترد على نسخ الكتاب ، وقال آخرون : لا ، ولكنه من أخبار الآحاد ، وأخبار الآحاد على قولكم لا ترد على نسح خبر مثله ، فكيف على كتاب رب العالمين ؟
فأما الأول في أن السنة لا تعمل في نسخ الكتاب فقد سبق القول{[2074]} فيه : إن الذي حملهم على هذا ، هو جهلهم بموقع السنة ، وإلا لو علموه ما أنكروه ، وهو ما قلنا : إن النسخ بيان منتهى الحكم إلى الوقت المجعولة [ له ]{[2075]} . فأما من قال : إنه من أخبار الآحاد فإن الأصل في هذا أن يقال : إنه من حيث الرواية من الآحاد ، ومن حيث علم العمل به متواتر . ومن أصلنا أن المتواتر بالعمل هو أرفع خبر بعمل ؛ إذ المتواتر المتعارف قرنا بقرن مما عمل الناس به لم يعملوا به إلا لظهوره ، وظهوره يغني الناس عن روايته لما علموا خلوه من الخفاء ، ولهذا يقول في الخبر : جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع [ أحمد : 1/332 ] فترد به الخبر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أخبار الآحاد ؛ هو من حيث الرواية من الآحاد ، ولكنه من حيث تواتر الناس العمل به ، صار بحيث يوجب علم العمل . فما لم يجز أن تجتمع الأمة على شيء ، علموا{[2076]} كله من كتاب أو سنة غير ما ورد ، فيكونوا قد اجتمعوا على تضييع كتاب أو سنة ، وكذا هذا : لا يجوز أن يجتمع الناس على ترك الوصية للوارث [ من غير ]{[2077]} كتاب نسخه أو سنة أخرى تلزم العمل به ، فلهذا قضينا بنسخه ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.