تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (245)

الآية 245 وقوله تعالى : { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } عامل الله تعالى [ عباده ]{[3090]} بلطفه وكرمه معاملة من لا حق له في أموالهم لا كمعاملة العباد بعضهم بعضا ، وإن كان العبيد وأموالهم كلهم له حين طلب منهم الإقراض كبعضهم من بعض ، ثم وعد لهم الثواب على ذلك ، فقال : { فيضاعفه له أضعافا كثيرة } ثم لما سمع اليهود ذلك قالوا : إن إله محمد فقير ؛ وهو قوله : { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } [ آل عمران : 181 ] ، ومرة قالوا لما رأوا الشدة على بعض الناس{[3091]} : إنما يفعل ذلك ببخله حين قالوا : { يد الله مغلولة } [ المائدة : 64 ] ، فرأوا المنع إما للبخل وإما للفقر ، فأكذبهم الله في قلوبهم ذلك ، فقال : { والله يقبض ويبصط [ وإليه ترجعون } ، قيل : { يقيض } أي يقتر ، { ويبصط } أي يوسع ]{[3092]} وقيل : { يقبض } ما أعطى أي يأخذ { ويبصط } ويترك ما أعطى ، ولا يأخذ منه شيئا ، وقيل : إنها نزلت في أبي الدحداح ؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من تصدق بصدقة فله مثلها في الجنة ) [ بنحوه أحمد : 5/391 ] فقال أبو الدحداح : إن تصدقت بحديقتي فلي مثلها في الجنة ؟ فقال : نعم ، قال : وأم الدحداح معي ؟ قال : نعم ، قال : والصبية معي ؟ قال : نعم ، فرجع أبو الدحداح ، فوجد أم الدحداح والصبية فيها ، فقام على باب الحديقة ، فنادى : يا أم الدحداح إني جعلت حديقتي هذه صدقة ، واشترطت مثيلتها في الجنة وأم الدحداح والصبية فيها معي ، قالت : بارك الله في ما شريت [ وفي ما اشتريت ]{[3093]} أربيت ، فخرجوا منها ، فتركوا ما كانوا اجتنبوا منها ، فتركوا ما كانوا اجتنبوا منها ، وسلموا الحديقة للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل [ قوله ]{[3094]} { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } الآية .

[ قال الشيخ ، رحمه الله تعالى : في قوله : { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } الآية ]{[3095]} في توجيه الآية إليه [ وجهان ]{[3096]} :

فمنهم من يوجهها إلى جميع المحاسن : يؤثرها ، ويختارها لله ، فله أضعاف ذلك في الموعود آجلا وعاجلا ؛ فالآجل ما وعد ، والعاجل ثناء الناس وجلالة القدر له في القلوب ، متعارف ذلك للآخيار ، وسماه قرضا [ لوجهين :

الأول ]{[3097]} : بما هو اسم المعروف ليذكره عظم نعمه عليه أن قبله قول المعروف بالشكر له في ذلك ، وإن كان ذلك حقا له عليه ، والله أعلم .

والثاني : ليعرف الخلق كيفية الصحبة والمعاشرة بينهم : أن الله تعالى عامل عبده في ما هو له معاملة من يستحق الشكر منه بما يسدي إليه من النعم ، ولله حقيقة ذلك . ليعقل الحكماء أن مثل ذلك في [ معاملة الإخوان ]{[3098]} وفي ما كان ، يعمه في الحقيقة أوجب وأحق ليعظموا المعروفين بالمعروف بما أكرمهم الله تعالى بالأسماء الجليلة ، ولا قوة إلا بالله .

ومنهم من يوجهها /45-أ/ إلى الصدقات خاصة ؛ سماها قرضا لوجوه :

أحدها : أن جعل معاملة الفقراء والتصدق عليهم معاملة الله تفضيلا لهم على نسب مقارضة{[3099]} المؤمنين إلى الله تعظيما لهم ، فمثله الصدقة ، ثم وعد فيه العوض لتصير الصدقة بمعنى الإقراض ؛ إذ يرجع في عوضه ، فيزول وجه الامتنان عن الفقير بما يأخذ منه البدل ، وبالله التوفيق .

والثاني : سمى ذلك قرضا بما هو [ له ]{[3100]} على ما يزال الله تعالى ، عود به عباده بالذي عرفوا به كرمه وجوده حتى سمى تسليم الذي له في الحقيقة قرضا كالتسليم إلى من لا حق له في الحقيقة . وعلى ذلك أمر الشراء بقوله : { إن الله اشترى من المؤمنين [ أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة ] }{[3101]} [ التوبة : 111 ] والله أعلم .

والثالث : أنه ذكرهم وجه القصد في الصدقات والموقع لها يكون ذلك تبينا لعظم منه الفقر عليه ؛ إذ وصل [ به إلى الله ]{[3102]} ؛ ذكره ، وأجل محله عنده ، [ فيصير عنده ]{[3103]} أحد الأعوان له والأنصار على عظيم الموعود وجليل القدر عند الله ، فيحمده على ذلك ، ويشكر له دون أن يمن عليه أو يؤذيه ، والله أعلم .


[3090]:ساقطة من النسخ الثلاث.
[3091]:أدرج بعدها في النسخ الثلاث: فقالوا.
[3092]:من ط ع، في الأصل وم: ويوسع.
[3093]:من ط ع وم، ساقطة من الأصل.
[3094]:من ط ع.
[3095]:من ط ع.
[3096]:ساقطة من النسخ الثلاث.
[3097]:ساقطة من النسخ الثلاث.
[3098]:من ط ع وم، في الأصل: مقابلة الأحوال.
[3099]:في النسخ الثلاث: مخادعة.
[3100]:من ط ع.
[3101]:من ط ع.
[3102]:من ط ع، في الأصل: بإلى، في م: بالله.
[3103]:من ط ع.