تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَوۡ كَظُلُمَٰتٖ فِي بَحۡرٖ لُّجِّيّٖ يَغۡشَىٰهُ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابٞۚ ظُلُمَٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ} (40)

الآية 40 : وقوله تعالى : ]أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج[ هذا مثل آخر ضرب الله أحوال الكافر ]أو كظلمات[ جسده شبهه بظلمات ؛ وذلك أن البحر إذا كان عميقا كان أشد ظلمة{[14095]} ، فقال : ]في بحر لجي[ والبحر اللجي قلب الكافر ]يغشاه موج[ فوق الماء ]من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض[ فهي{[14096]} ظلمة الموج وظلمة الليل ، وظلمة السحاب هذه ]ظلمات بعضها فوق بعض[ فكذلك الكافر : قلبه مظلم : في صدر مظلم في جسد مظلم ؛ لا ( يبصر نور الإيمان ){[14097]} كما أن صاحب البحر ]إذا أخرج يده ] في تلك الظلمة ]لم يكد يراها[ أي لم يرها البتة .

أو يكون ضرب المثل ظلمات{[14098]} ثلاث بظلمات أحوال ، لا تزال تزداد ظلمة . كفره في كل وقت وفي كل حال بعمله{[14099]} الذي يعمله كالظلمات التي ذكر .

فكان كضرب المثل الذي سبق لأنوار أحوال المؤمن حين {[14100]} قال : [ مثل نوره كمشكاة ] ( النور : 35 ) والنور جسده وصدره وقلبه .

ثم قوله ]أو كظلمات[ ليس هو حرف شك ، ولكنه كأنه قال : إن ضربت مثل عمله بالسراب فمستقيم ، وإن ضربته بالظلمات التي ذكرتها{[14101]} فمستقيم بأيهما ضربت فمستقيم وصحيح ، لا أنه ذا ، أو ذا .

ثم ذكر في أعمال الكفرة مثلين : أحدهما : السراب ، والثاني : الظلمات .

فجائز أن يكون في المؤمن ، أيضا مثلان{[14102]} : الظلمة التي ذكر ( في الكافر تقابل النور الذي ذكر ){[14103]} في المؤمن ، والسراب الذي ذكر ( الأعمال الكافرين يقابل ){[14104]} ما ذكر من أعمال المؤمنين حين{[14105]} قال : ]في بيوت أذن الله أن ترفع[ إلى قوله : ]والله يرزق من يشاء بغير حساب[ ( النور : 36-38 ) وقال{[14106]} : ]ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور[ ( النور : 40 ) .

وقال بعضهم : ]ومن لم يجعل الله له نورا[ إيمانا ]فما له من نور[ من إيمان . وقيل هدى فما له من هدى ، وهما واحد .

والآية على المعتزلة لأنهم يقولون : لم يجعل الله للمؤمن من النور إلا وقد جعل مثله للكافر ، وفي الآية إخبار أنه لم يجعل للكافر النور ؛ إذ لو كان جعل ( للكافر كما جعل ){[14107]} للمؤمن لم يكن لقوله ]ومن لم يجعل الله له نورا[ معنى . دل أنه لم يجعل للكافر النور .

وقوله تعالى : ]فوفاه حسابه[ يقول : فجازاه بعمله ، فلم يظلمه ، وقوله : ]والله سريع الحساب[ قد ذكرنا في غير موضع .

قال القتبي : السراب ما رأيته من الشمس كالماء نصف النهار ، والآل ما رأيته في أول النهار وآخره ، ( وهو ){[14108]} الذي يرفع كل شيء ، والقيعة القاع .

وقال أبو عوسجة : السراب الذي يثيره الحر ، فتراه كأنه ماء يجري ، وهو يكون نصف النهار إلى السماء والآل في أول النهار إلى قريب من نصف النهار ، والقيعة القاع ، وهي الأرض اليابسة التي يستنفع فيها الماء ، وقاع واحد ، وقيعان جمع ، والظمآن العطشان ، وقوم ظماء ، وامرأة ظمأى ، ونسوة ظماء وأظماء ، وأظمأته أعطشته ، وظمأته أيضا ]في بحر لجي[ كثير الماء ، واللجة وسط البحر ]يغشاه موج[ أي يصير فوقه . قال : الموج طرائق في الماء ، تكون إذا هبت الريح .

وقال الكسائي : الظمآن والصديان والعطشان واحد ، والسراب قبل الزوال ، والآل قبل الزوال ، وهو أرفع من السراب ، والرواق ( بالكسر والضم ){[14109]} بعد العصر .

وقال بعضهم في قوله : ]إذا أخرج يده لم يكد يراها[ يقول : لم يقاربه البصر كقوله : الرجل ، لم يصب ، ولم يقارب .


[14095]:في الأصل وم، لظلمته.
[14096]:في الأصل وم: فهو.
[14097]:في الأصل وم: يبصرون الإيمان.
[14098]:في الأصل وم: بظلمات.
[14099]:في الأصل وم: يعلمه
[14100]:في الأصل وم :حيث.
[14101]:في الأصل وم :ذكر.
[14102]:في الأصل وم:مثلين.
[14103]:مقابل النور الذي ذكره، ساقطة من الأصل.
[14104]:في الأصل وم: لأعمالهم مقابل.
[14105]:في الأصل وم: حيث.
[14106]:في الأصل وم: وقوله.
[14107]:من م، ساقطة من الأصل.
[14108]:ساقطة من الأصل.
[14109]:ساقطة من الأصل وم.