تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبۡيَضَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فَفِي رَحۡمَةِ ٱللَّهِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (107)

الآيتان 106 و 107 وقوله تعالى : { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } الآية [ وقوله تعالى : { وأما الذين ابيضت وجوههم } الآية ]{[4207]} وصف الله جل وعلا وجوه أهل الجنة بالبياض [ لأن البياض ]{[4208]} هو غاية ما يكون به الصفاء ، لأن كل الألوان تظهر في البياض ، ووصف جل وعلا وجوه أهل النار بالسواد فيها ، شبيه بالظلمة ، وقد يحتمل أن يكون المراد من وصف البياض والسواد ليس البياض والسواد ، ولكن البياض هو كناية عن شدة السرور والفرح ، والسواد كناية عن شدة الحزن والأسف كقوله : { وجوه يومئذ مسفرة } { ضاحكة مستبشرة } [ عبس : 38 و 39 ] ووصف وجوه أهل الجنة بالضحك /66-أ/ وليس على حقيقة الضحك ، ولكن [ هو ]{[4209]} بغاية السرور والفرح ، وكذلك وجوه أهل الناس وصفها بالغبر والقتر{[4210]} ، وهو وصف لشدة الحزن ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { أكفرتم بعد إيمانكم } يحتمل وجوها : يحتمل { أكفرتم بعد } ما آمنتم بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بوجودكم بعثه وصفته في كتابكم ؟ وعلى هذا قال بعض أهل التأويل [ في قوله ]{[4211]} : { والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له } [ الشورى : 16 ] أي على استجابة كثير منهم من الأجلة والكبراء الذين لا يعرفون بالتعنت في الدين ولا بالتقليد ، والله أعلم ، ويحتمل قوله : { أكفرتم } أنتم بعد [ أن ]{[4212]} آمن منكم فرق ؟ لأن منهم من قد آمن ، ومنهم من قد كفر ، فقال لمن كفر : { أكفرتم } أنتم{[4213]} ، وقد آمن منكم نفر ؟ ألا ترى أنه قال : { ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق } ؟ [ الأعراف : 159 ] والله أعلم ، وقال{[4214]} : أراد بالإيمان الذي قالوا حين اخرجوا من ظهر آدم{[4215]} .

وفي الآية رد قول المعتزلة بتخليد أهل الكبائر في النار وإخراجهم من الإيمان من غير أن أدخلوهم في الكفر لأنه جل وعلا لم يجعل إلا فريقين : بيض{[4216]} الوجوه وسود{[4217]} الوجوه ، فبيض{[4218]} الوجوه هم المؤمنين وسود{[4219]} الوجوه هم الكافرون لأنه قال : { أكفرتم } فأصحاب الكبائر لم يكفروا بارتكابهم الكبيرة/ ولم يجعل الله تعالى فرقة ثالثة ، وكذلك قال جل وعلا { فريق في الجنة وفريق في السعير } [ الشورى : 7 ] لم يجعل الخلق إلا فريقين ، وهم جعلوا فريقا كقوله{[4220]} : { فمنكم كافر ومنكم مؤمن } [ التغابن : 2 ] فإن قيل : ذكر في الآية الكفر بعد الإيمان ، ثم لم يكن فيه منع دخول من لم يكفر بعد الإيمان ، فامتنع ألا يكون فيه منع دخول صاحب الكبيرة ، فجوابنا ما سبق أن خلقة كل كافر تشهد على وحدانية الله تعالى ، لكنهم كفروا بألسنتهم ، وذلك كفر بعد الإيمان ، فلم يجز أن يدخل في الآية من لم يكن كافرا في حكم الكافر ، وبالله التوفيق .

وقوله تعالى : { فذوقوا العذاب } في الظاهر أمر ، لكنه في الحقيقة ليس بأمر لأن العذاب لا يذاق ، وإنما يذوق هو ، فكأنه قال : اعلموا أن عليكم العذاب .


[4207]:ساقطة من الأصل وم.
[4208]:من م، ساقطة من الأصل.
[4209]:ساقطة من الأصل وم.
[4210]:إشارة إلى قوله تعالى {ووجوه يومئذ عليها غبرة} {تزهق قترة} {أولئك هم الكفرة الفجرة} [عبس: 40 و 41 و 42]..
[4211]:ساقطة من الأصل وم.
[4212]:من م، ساقطة من الأصل.
[4213]:ساقطة من م.
[4214]:في الأصل وم: وكقوله.
[4215]:إشارة إلى قوله تعالى {وإذا أخذ ربك من آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف / 192]..
[4216]:في الأصل وم: بياض.
[4217]:في الأصل وم: وسواد.
[4218]:في الأصل وم: فبياض.
[4219]:في الأصل و م: وسواد.
[4220]:في الأصل وم: وكقوله.