تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (92)

الآية 92 وقوله تعالى : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } يحتمل أن تكون الآية ، والله أعلم ، في كفار منعهم عن الإسلام الزكاة والصدقات التي تجب في الأموال كقوله : { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين } { فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا } الآية إلى قوله : { بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون } [ التوبة : 75 و 76 و 77 ] أخبر جل وعلا : { لن تنالوا } الإسلام { حتى تنفقوا مما تحبون } من الأموال ، وكقوله : { الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون } [ فصلت : 7 ] . وتحتمل الآية في المؤمنين ؛ رغبهم جل وعلا في إنفاق ما يحبون كقوله : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه } الآية [ البقرة : 177 ] أخبر أن البر ما ذكر من الإيمان به وإتيان المال في حبه .

وروي عن أنس رضي الله عنه [ أنه ]{[4059]} قال : ( لما نزل قوله تعالى : { لن تنالوا البر } الآية قال أبو طلحة : يا رسول الله حائطي الذي في مكان كذا وكذا فهو لله ، ولو استطعت أن أسره ما أعلنته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اجعله في قرابتك أو قراباتك ){[4060]} ) [ أحمد : 3/262 ] وروي عن عمر رضي الله عنه أنه لما نزل هذا أعتق جارية .

ثم اختلف في البر ، قيل : البر هو الجنة ههنا ، وقيل : البر هو الإسلام إن كان في الكافرين ، وقيل : { لن تنالوا } درجات الجنة وما عند الله من الثواب إلا بإنفاق ما تحبون .

وقوله تعالى : { وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم } ففيه دليل قبول القليل من الصدقة لأنهم كانوا يمتنعون عن قليل التصدق استحقارا ، فأخبر أنه بذلك عليم ، وإن قل بعد أن يكون ذلك لله جل وعلا والله أعلم .


[4059]:ساقطة من الأصل وم.
[4060]:في م: أقربائك.