الآية 103 وقوله تعالى : { واعتصموا بحبل الله جميعا } اختلف فيه ، قيل : حبل الله يعني القرآن ، وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه وعن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ]{[4180]} قال : ( حبل الله الجماعة ، وإنما هلكت الأمم الخالية بتفرقها ) أمر بالكون مع الجماعة ، ونهي عن التفرق ، لأن أهل الإسلام هم الجماعة . ألا ترى أنه قال في آية آخر : { وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } ؟ [ الأنعام : 153 ] وصف أهل دين الإسلام بالجماعة وأهل [ الأديان غيرهم ]{[4181]} بالتفرق . وعن ابن مسعود رضي الله عنه أيضا [ أنه ]{[4182]} قال : ( حبل الله الجماعة ) وروي في بعض الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه ) [ الحاكم في المستدرك 1/117 ] يعني أصل الإسلام . وروي عنه أيضا : ( إن للشيطان ذئبا كذئب الغنم ، يأخذ الشاذة والقاصية والناصية وإياكم والشعاب ، وعليكم بالجماعة والعامة وهذا المسجد ) [ أحمد 5/233 ] وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه [ أنه ]{[4183]} قال : ( دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ثلاث مرات ، ثم قال : ( يكون في أمتي اختلاف ) قلت : كيف نصنع يا رسول الله إذا كان كذلك ؟ قال : ( عليكم بكتاب الله فإن فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم ، وهو حكم في ما بينكم ، من يدعه فما من جبار يعصمه من الله ، ومن يتركه طالبا غيره يضله الله ، وهو حبل الله المتين وأمره الحكيم ، فهو الصراط المستقيم ، وهو الذي لا تختلف فيه الألسنة ، ولا يخلقه كثرة تردد ، ولا تنقضي عجائبه ) [ الترمذي 2906 ] وقيل : حبل الله دين الله ، والحبل ، هو العهد ، كأنه أمر بالتمسك بالعهود التي في القرآن والقيام بوفائها والحفظ لها ، ونهى عن التفرق [ كما تفرقت ]{[4184]} الأمم الخالية ، واختلفت{[4185]} الأديان .
وقوله تعالى : { واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم } بمحمد صلى الله عليه وسلم وقيل : { فألف بين قلوبكم } /65-ب/ بالإسلام ، وقيل : بالقرآن ، ولم يكن ذلك بالدين نفسه ، ولكن بلطف من الله من به على أهل دينه ، وأخبر أن التأليف بين قلوبهم نعمة ، لأن التفرق يوجب التباغض ، والتباغض يوجب التقاتل ، وفي ذلك التفاني . وعلى قول المعتزلة : ليس من الله على المسلم من النعمة إلا ومثلها يكون على الكافر ، لأن الهدى والتوفيق عندهم البيان ، فذلك البيان للكافر كهو على المسلم ، وعلى قلوبهم ، لا يكون من الله على أحد نعمة لأنهم لا يجعلون لله في الهداية فعلا ، إنما ذلك من الخلق . وأما عندنا فإنما يكون الإسلام بهدايته إياه ، فذلك من أعظم النعم عليه .
وقوله تعالى : { فأصبحتم بنعمته إخوانا } أي صرتم بنعمته إخوانا . وقوله تعالى : { وكنتم على شفا حفرة من النار } أي كنتم أشفيتم [ على ]{[4186]} حفرة من النار ، وهو القرب منها لولا أنه من الإسلام ، ويحتمل أن يكون على الكون فيها والوقوع ، لا القرب كقوله : { لترون الجحيم } [ التكاثر : 6 ] ليس على الرؤية خاصة ، ولكن على الوقوع فيها ، وكقوله : { فذوقوا العذاب } [ آل عمران : 106 ] ليس على البعد منها ، ولكن من الكون ، ومثله كثير يترجم على الوقوع فيها .
وقوله تعالى : { حفرة } كأنه قال : كنتم [ على ]{[4187]} شفا درك من دركات النار { فأنقذكم منها } وهذا أيضا على المعتزلة ، لأن على قولهم ، هم الذين ينقذون أنفسهم لا الله على ما ذكرنا ، والله أعلم .
قال الشيخ ، رحمه الله تعالى : يقول : إذا كان الله تعالى عندهم{[4188]} قد جمع بين الكفرة والبررة في بذل الأصلح لهم في الدين ، وليس منه غير ذلك ، فلا يجيء أن يمن عليهم [ بما به تتألف قلوبهم ]{[4189]} بنعمته ، [ ومنه ]{[4190]} موجود مع التفرق ، بل أولئك تفرقوا بنعمتهم ، وبعد فإن النعمة لو كانت دينا فما الذي كان منه حتى يمن عليهم به ؟ وذلك قولهم بلا فضل منه فيه ، والله أعلم .
وفي قوله : { وكنتم على شفا حفرة } الآية [ أن قد لزم ]{[4191]} خطاب الإيمان حين العثرة{[4192]} لأنهم في ذلك الوقت كانوا حتى أنقذوا ، والله الموفق .
وقوله تعالى : { كذلك بين الله لكم آياته } ، { إذ كنتم أعداء } في الجاهلية وكفرة{[4193]} متفرقين ، وصرتم إخوانا في الإسلام ، كلمتكم{[4194]} واحدة { لعلكم تهتدون } لكي تعرفوا نعمته ومنته .
قال الشيخ : رحمه الله : وقد يكون : { كذلك يبين الله لكم آياته } في حادث الأوقات لتكونوا فيها مهتدين كما اهتديتم ، فيكون في ذلك وعد التوفيق والبشارة ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.