الآية 6 وقوله تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } قال بعضهم : النبي أولى بهم من بعضهم ببعض كقوله : { ولا تقتلوا أنفسكم } [ النساء : 29 ] أي لا يقتل بعضكم بعضا ؛ إذ لا يقتل نفسه [ وقوله ]( {[16490]} ) : { فسلموا على أنفسكم } [ النور : 61 ] أي يسلم بعضكم على بعض ، ليس أنه يسلم الرجل على نفسه ، ولكن ما ذكرنا .
فعلى ذلك قوله : { الني أولى بالمؤمنين من أنفسهم } أي بعضهم من بعض .
ثم يحتمل : هو أولى بهم من أنفسهم من الطاعة والاحترام له والتعظيم ، أي هو أولى أن يعظم ، ويحترم ، ويطاع من غيره ، أو أن يكون أولى في الرحمة والشفقة لهم ، أي أرحم بهم ، وأشفق من أنفسهم ، وهو على ما وصفه من الرحمة والرأفة حين( {[16491]} ) قال : { عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } [ التوبة : 128 ] وليس من الناس [ من ]( {[16492]} ) يعز عليه ما يفعله من الإثم ، أو أن يجوز { أولى بالمؤمنين } أي أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم محبة الاختيار والإيثار ، ليس محبة الميل من القلب ، لأن ميل القلب يكون بالطبع ، وذكر في الخبر : ( ليس يؤمن أحدكم حتى أكون أنا أحب إليه من نفسه وولده وأهله ) [ البخاري 15 ] أو كلام نحو هذا . أو أن يكون أولى بهم في الآخرة بالشفاعة لهم ، فينجون من النار به لا بأعمالهم ، والله أعلم .
وذكر في بعض الحروف : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } وهو أب لهم { وأزواجه أمهاتهم } وهو حرف أبي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنه قولهم( {[16493]} ) : وهو أب لهم في الرحمة والشفقة أو في ما يلزم من الطاعة والتعظيم والاحترام ونحوه .
وقوله تعالى : { وأزواجه أمهاتهم } قال أهل التأويل : { وأزواجه أمهاتهم } في الحرمة أي لا يحل لهم أن يتزوجوهن أبدا كالأمهات ، ولكن يجب أن يكون ذلك بعد وفاته . فأما في حياته ، إذا طلقهن فيجب أن يحللن لغيره لأنه إذا قال : { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا } الآية [ الأحزاب : 28 ] ولم لم يحللن لغيره لم يكن لما ذكر لهن من التمتيع والتسريح معنى .
وهذه الحرمة يجب أن تكون بعد الموت ، وهي ما قال : { ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده } [ الأحزاب : 53 ] إنما شرط هذا بعده ليكن أزواجه في الآخرة [ ويحتمل ]( {[16494]} ) أن يكون قوله : { وأزواجه أمهاتهم } أي حرمة أزواجه من بعده أبدا ، إنما شرط هذا بعده ليكن أزواجه في الآخرة ، ومنزلتهن( {[16495]} ) كمنزلة أمهاتهم يستوجبن ذلك لحرمة رسول الله ومنزلته قبلهم .
وأما الباطنية فإنهم يقولون في قوله : { وأزواجه أمهاتهم } دلالة أنه ليس يريد أزواج النبي .
ألا ترى/424-أ/ أنه يحل للناس نكاح أولادهن ؟ ولو كن أمهات لم تحل لأنهم يصيرون إخوة وأخوات .
فإذا حل ذلك دل أنه ما ذكرنا ، هذا قولهم .
لكن الجواب لذلك ما ذكرنا أنه جائز أنه سماهن أمهات ، أي منزلتهن كمنزلة الأمهات لحرمة رسول الله ومنزلته . وذلك جائز لأنه ذكر الشهداء أحياء عنده ، وإن كانوا في الحقيقة موتى لفضل الكرامة لهم والمنزلة عند الله .
فعلى ذلك ذكر الأمهات لأزواجه ما ذكرنا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } [ قال بعضهم : { في كتاب الله } في حكم الله كقوله : { كتاب الله عليكم } [ النساء : 24 ] أي حكم الله عليكم . وقال بعضهم : { في كتاب الله } ]( {[16496]} ) في ما أنزل من الكتاب ، وهو الذي [ ذكر على إثره [ { كان ذلكم في الكتاب مسطورا } ]( {[16497]} ) وهو كقوله : ]( {[16498]} ) { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } [ البقرة : 181 ] إلى آخر ما ذكر المكتوب عليهم الذي ذكر على إثره .
ثم اختلف في تأويل قوله : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين } : قال بعضهم : إن المواريث في بدء الأمر لم تكن تجري إلا في ما بين المؤمنين والمهاجرين من القرابات والأرحام . فإن كان مؤمنا ، لم يهاجر ، لم يرث ابنه ولا أباه ولا أخاه المهاجر وسائر قراباته ، إذا مات أحدهما إلا أن يكونا مؤمنين مهاجرين . فعند ذلك يتوارثون .
فعلى ذلك التأويل يكون تأويل قوله : { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا } الذين لم يهاجروا من المؤمنين أن توصوا لهم شيئا . فيقول قائل هذا التأويل : إن هذا نسخ بالآية التي ذكرها في سورة الأنفال ، وهو قوله : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } الآية [ الآية : 6 ] ولم يذكر فيه الهجرة إذا كانوا مسلمين .
وأما الكافر فإنه لا يرث المسلم . وعلى ذلك روي في الخبر أنه قال : ( لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ) [ البخاري 6764 ] ، وقال : ( لا يتوارث أهل ملتين ) [ الترمذي 2108 ] .
وقال بعضهم : تأويل قوله : { أولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين } من الأقربين منهم ، أي أولو الأرحام من المؤمنين والمهاجرين الأقرب فالأقرب منهم { بعضهم أولى ببعض } من الأبعدين في المواريث ، أي الأقرب منهم ، بعضهم أولى ببعض من الأبعدين { إلا أن تفعلوا إلى أولياءكم معروفا } على الأبعدين وصية أو شيئا( {[16499]} ) . فذلك معروف . فصارت المواريث للقرابات الدنيا( {[16500]} ) من المؤمنين دون الأبعدين . فتكون الآية التي في الأنفال وهذه سواء على هذا التأويل بل يكون الأقرب فالأقرب ، والأدنى فالأدنى أولى بالمواريث من غيرهم .
وبعضهم يقول : إن الآية نزلت ناسخة لما كان منهم من التوارث بالمؤاخاة ، لن النبي كان يؤاخي بين رجلين ، فإذا مات أحدهما ورثه الباقي منهما دون عصبته حتى نسخ ذلك بالآية التي ذكر . فعلى ذلك يكون قوله : { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا } هو أن يصنعوا على الذين آخى بينهم معروفا .
ثم اختلف في أولي الأرحام المذكورين في الآية : قال بعضهم : هم الذين ذكرهم في قوله : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } [ النساء : 11 ] على آخر ما ذكر .
وقال بعضهم : ليسوا هم ، وإنما الذي ذكر في ذلك هم الذين يبين لهم حد مواريثهم : فأما غيرهم فإنما هم في قوله : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } فإنما يرث الأقرب فالأقرب منهم .
وكذلك يقول أبو حنيفة ، رحمه الله : إن أولي الأرحام إنما يرث الأقرب فالأقرب منهم كالعصبات ؛ لأن الابنة لا شك أنها أقرب من ابن العم ، ثم يكون النصف للابنة والبقية لابن العم .
وقوله تعالى : { كان ذلك في الكتاب مسطورا } قال بعضهم : في اللوح المحفوظ بيان المؤمنين : بعضهم أولى ببعض في المواريث من الذين كانوا يتوارثون . وقال بعضهم : { في الكتاب } أي في التوراة مكتوبا أن يصنع بنو إسرائيل إلى بني لاوي بن يعقوب معروفا ليعود الغنى على الفقير ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.