تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٖ مِّن قَلۡبَيۡنِ فِي جَوۡفِهِۦۚ وَمَا جَعَلَ أَزۡوَٰجَكُمُ ٱلَّـٰٓـِٔي تُظَٰهِرُونَ مِنۡهُنَّ أُمَّهَٰتِكُمۡۚ وَمَا جَعَلَ أَدۡعِيَآءَكُمۡ أَبۡنَآءَكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَٰهِكُمۡۖ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ يَهۡدِي ٱلسَّبِيلَ} (4)

الآية 4 وقوله تعالى : { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } يقول بعض أهل التأويل : إنها( {[16465]} ) نزلت في رجل ، يقال له : ابن معمر ، وكان من أحفظ الناس وأوعاهم ، فقالوا : إن له قلبين : قلب يسمع ، وقلب يحفظ ، ويبقي ، فنزل : { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } .

ويقول بعضهم : كذلك : إنها نزلت في ابن معمر ، وكان يسمى ذا قلبين لحفظه الحديث حتى إذا كان يوم بدر ، وهزم المشركون ، وكان فيهم ابن معمر ، تلقاه أبو سفيان بن حرب ، وهو معلق إحدى نعليه بيده ، والأخرى في رجله ، فقال له : يا ابن معمر ما فعل الناس ؟ قال : انهزموا ، فقال له : ما بال نعلك في يدك ، والأخرى في رجلك ؟ فقال : ما شعرت إلا أنهما جميعا في رجلي ، فعرفوا يومئذ أن لو كان له قلبان ما نسي نعله في يده ، ونحوه قد قيل . ولكن لا ندري سبب نزول هذه الآية .

[ وري عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية ]( {[16466]} ) فقال : كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي يوما ، فخطرت خطرة ، أي وقع في قلبه ، فقال المنافقون الذين يصلون معه : ألا نرى أن له قلبين : قلبا معكم ، وقلبا معهم ؟ فأنزلت هذه الآية .

وهذا يشبه أن يكون سبب نزول الآية ، أو أن يكون نزولها( {[16467]} ) في المنافقين ؛ وذلك أنهم كانوا يصلون مع النبي والمؤمنين ، ويرون الموافقة لهم من أنفسهم ، ويقولون : نشهد إنك لرسول الله ، ثم يرجعون [ إلى أولئك الكفرة ]( {[16468]} ) فيقولون : { إنا معكم إنما نحن مستهزئون } [ البقرة : 14 ] ونحوه . فذكر هذا { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } أي دينين في جوفه : الإيمان والنفاق أو{ قلبين في جوفه } قلبا لهذا وقلبا للآخر .

[ ويحتمل أنها ]( {[16469]} ) نزلت في المشركين الذين يقرون بالوحدانية لله وأنه ، هو الخالق ، كقوله : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } [ لقمان : 25 ] ويعبدون الأصنام مع هذا : فنقول ، والله أعلم : لم يجعل [ الله لرجل ]( {[16470]} ) قلبين في جوفه : قلبا للشرك وقلبا للإيمان والتوحيد ، ولكن جعل قلبا واحدا لأحد هذين : أي قلبا لقبول الشرك [ أو الإيمان ]( {[16471]} ) .

وبعضهم : يقول : هو على التمثيل ، أي كما لم يجعل لرجل قلبين ، فكذلك لا يكون المُظاهِرُ( {[16472]} ) من امرأته ؛ لا تكون امرأته أمة في الحرمة ، ولا يكون دعي الرجل ابنه .

[ وذلك قوله تعالى : { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم } ]( {[16473]} ) ؛ يقول : نزل في النبي وزيد ابن حارثة ؛ كان النبي تبناه ، وكانوا يسمونه زيد بن محمد ، فجاء النهي عن ذلك ، فقال : { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } إلى هذا ذهب عامة أهل التأويل .

وبعضهم يقول : تأويل قوله : { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } أي لم يجعل للرجل نسبين ، ينسب إليهما .

وأصله عندنا أن قوله : { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } ما ذكرنا ، ولم يجعل أزواجكم اللائي تستمتعون بهن بالتشبيه بالأمهات كالأمهات ، أي لم يحل لكم ذلك ، ولم يبح ، ولم يشرع { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } أي لم يجعل النسب( {[16474]} ) ذلك ، ولم يشرع . وإن كان قد يكون في النسب الفاسد ، نحو الجارية بين اثنين ، إذا ولدت ، فادعياه جميعا ، ونحو النكاح الفاسد والملك الفاسد ، لم يجعل كذا ، أي لم يحل ، ولم يشرع ، كقوله : { ما جعل الله من بحيرة } [ المائدة : 103 ] أي لم يشرع ، ولم يحل ذلك . وإن كان يكون لو فعلوا .

فعلى ذلك قوله : { وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم } أي لم يشرع ذلك النسب ، ولم يحل ذلك في الإسلام ما كان في الجاهلية لا أنه لا يكون ذلك في ما لم يشرع في الفاسد من النسب على ما ذكرنا أن النسب ثبت في النكاح الفاسد ، وإن لم يشرع .

والحسن يقول في قوله : { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } قال : كان الرجل يقول : إن نفسا تأمرني بكذا ، ونفسا تأمرني بكذا . فنزل ذلك .

والحكمة في ما لم يجعل للواحد قلبين ، وجعل له سمعين وبصرين ، لأن الإدراك بالسمع والبصر إنما يكون بالمشاهدة فيخرج ذلك مخرج معاونة بعضهم بعضا ، وما يدرك [ بالقلب يكون ]( {[16475]} ) بالاجتهاد .

وقد يختلف القلبان في ما يجتهدان في شيء ، فيناقض أحدهما صاحبه ؛ إذ يجوز أن يرى أحدهما خلاف ما يراه الآخر . وأما السمعان والبصران لا يكونان( {[16476]} ) كذلك .

وقوله تعالى : { ما جعل الله لرجل من قلبين /423-ب/ في جوفه } جائز أن يكون سبب ذلك ما ذكر من ادعاء مسيلمة الكذاب الرسالة لنفسه ، وتواطىء أصحابه على ذلك . يقول ، والله أعلم ، ما جعل الله أن يرسل رجلين رسولا إلى خلقه ؛ مختلفي الدينين متضادي( {[16477]} ) الشرائع ، يدعو كل واحد إلى دين غير الآخر وإلى شريعة يضاد بعضها بعضا : محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسيلمة الكذاب .

وقوله تعالى : { وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم } يحتمل هذا وجهين :

أحدهما : على النهي الذي ذكرنا ، أي لا تشبهوا أزواجكم بظهور الأمهات ، ولا تحرموهن على أنفسكم كحرمة الأمهات . ولذلك قال : { وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا } [ المجادلة : 2 ] .

والثاني : أن لم يجعل الله لكم أزواجكم حراما أبدا كالأمهات ، وإن جعلتم أنتم . ولكن جعلهن لكم بحيث تصلون إليهن بالاستماع إلى ما تصلون إليهن ، وتستمتعون بهن بعد هذا القول .

يذكر هذا على المنة والنعمة ليستأدي به [ شكره ]( {[16478]} ) لما أبقى لهم الاستمتاع بهن بعد هذا ، ولم يجعلهن لهم كالأمهات على ما ذكر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } [ يحتمل وجهين :

أحدهما ]( {[16479]} ) : ما جعل أدعياءكم أبناءكم في [ حقوق النسب ]( {[16480]} ) إلى الآباء ؛ وهو ما ذكر في بعض القصة أنه إذا ادعى الرجل منهم [ رجلا ورثه ]( {[16481]} ) مع أولاده فهو شيء كانوا يفعلونه في الجاهلية ، دعي إليه ؛ ونسب . يقول ، والله أعلم : ما جعل ما كنتم تدعون الأبناء في الجاهلية للعون والنصرة أبناءكم في الإسلام في ما جعلوا .

والثاني : ما جعل أدعياءكم أبناءكم في حق النسبة كما

ذكر أنهم كانوا يقولون لزيد بن حارثة : زيد بن محمد .

[ وقوله تعالى ]( {[16482]} ) : { ذلكم قولكم بأفواهكم } إنما هو قول ، تقولونه بألسنتكم في ما بينكم : { والله يقول الحق } إنهم ليسوا بأبنائكم .


[16465]:أدرج قبلها في الأصل وم: كذلك.
[16466]:من م، ساقطة من الأصل.
[16467]:من م، في الأصل وم: نزول.
[16468]:في الأصل: إلا أولئك، في م: إلى أولئك.
[16469]:في الأصل وم: أو.
[16470]:في الأصل وم: الرجل.
[16471]:في الأصل وم: وقلبا لقبول الإيمان.
[16472]:في الأصل وم: الظاهر.
[16473]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[16474]:في الأصل وم: سبب.
[16475]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[16476]:في الأصل وم: يكون.
[16477]:في الأصل وم: متضاد.
[16478]:من م، ساقطة من الأصل.
[16479]:في الأصل وم: أي.
[16480]:في الأصل وم: أو.
[16481]:في الأصل وم: ورثه منهم.
[16482]:ساقطة من الأصل وم.