وقوله تعالى : { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم } قوله{ يخادعون } أولياء الله أو دينه ، فأضيف إليه ، فهو جائز ، وفي القرآن كثير كقوله تعالى : { إن تنصروا الله ينصركم } ( محمد : 7 ) أي تنصروا دين الله أو أولياءه{ ينصركم } وقد ذكرنا هذا في صدر الكتاب .
وقوله تعالى : { وهو خادعهم } أي يجزيهم جزاء خداعهم المؤمنين ، فسمي خداعا ، وإن لم يكن في الحقيقة خداعا لأنه جزاء الخداع ، وهو كما سمى{ وجزاء سيئة سيئة مثلها } ( الشورى : 40 ) وإن لم تكن الثانية في الحقيقة سيئة . وكذلك سمى جزاء الاعتداء اعتداء ، وإن لم يكن الثاني اعتداء . فعلى ذلك سمى هذا خداعا لأنه جزاء الخداع ، واللغة غير ممتنعة عن تسمية الشيء باسم سببه على ما ذكرنا ، والله أعلم .
ثم اختلف في جهة الخداع ، عن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ){[6703]} قال : ( يعطي " الله " {[6704]} المنافقين على الصراط المستقيم نورا كما يعطي للمؤمنين ، فإذا مضوا به على الصراط أطفأ نورهم ، ويبقي نور المؤمنين ، يمضون بنورهم ، فينادون المؤمنين : { انظروا نقتبس من نوركم } ( الحديد : 13 ) فنجوز به ، فيناديهم الملائكة . { ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا }( الحديد : 13 ) وقد علموا أنهم لا يستطيعون الرجوع ، فذلك{ وهو خادعهم } وكذلك قال الحسن ، ثم قال : ( فتلك خديعة الله إياهم ) .
وقال آخرون : يفتح لهم باب من أبواب الجنة ، فإذا رأوا ذلك الباب ، فلما دنوا منه أغلق دونهم . فذلك الخداع ، والله أعلم .
ويحتمل وجها آخر ؛ وهو أنهم شاركوا المؤمنين في هذه الدنيا ومنافعها والتمتع والتقلب فيها ، فظنوا أنهم يشاركونهم في منافع الآخرة والتمتع بها ، فيحرون . تلك الخديعة ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا } جعل الله تعالى للمنافقين أعلاما في ( القول والفعل ){[6705]} يعلم بها المنافقون . أما في القول ( فهي ){[6706]} ما قالوا : { إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } ( آل عمران : 173 ) وقوله تعالى : { وإن منكم لمن يبطئن }( النساء : 72 ) وقوله تعالى : { قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا } الآية ( الأحزاب : 18 ) .
وأما في الفعل فهي {[6707]} قوله تعالى : { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا } ( النساء : 142 ) وقوله سبحانه وتعالى : { ولا يأتون البأس إلا قليلا }( الأحزاب : 18 ) أي القتال ، وقوله تعالى : { فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت } الآية ( الأحزاب : 19 ) ومثلها{[6708]} كثير في القرآن مما جعل ذلك علامة لهم ، وهو كقوله تعالى : { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم } الآية( المنافقون : 4 ) وكقوله تعالى : { وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض } الآية ( التوبة : 127 ) يراؤون في جميع أفعالهم الناس . وفي حرف حفصة رضي الله عنه { يراءون الناس } والله يعلم ما في قلوبهم .
( وقوله تعالى ){[6709]} : ولا يذكرون الله إلا قليلا } عن الحسن في قوله تعالى : { ولا يذكرون الله إلا قليلا } ( أنه قال ){[6710]} : ( أما والله لو كان ذلك القليل منهم لله لقلبه ، ولكن ذلك القليل رياء ) . وقيل : لو كان ذلك القليل الله ، يريدون به وجهه ، فقبله ، لكان كثيرا ، ولكن لا يقبله ، فهو لا بشيء ، وقد يتكلم بالقليل واليسير على إرادة النفي من الأصل ، والله أعلم .
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه ( أنه{[6711]} : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحسن الصلاة حيث يراه الناس ، وأساءها حيث يخلو ، فتلك استهانة يستهين بها ربه " ( عبد الرزاق الصنعاني في المصنف3738 ) .
وروي في علامة المنافق أخبار : روي عن أبو هريرة رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن للمنافقين علامات يعرفون بها : تحيتهم لعنة ، وطعامهم نهبة ، وغنيمتهم غلول ، لا يقربون المساجد إلا هجرا ، ولا يأتون الصلاة إلا دبرا " ( أحمد 2/293 ) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ( أنه قال ){[6712]} : " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا ائتمن خان " ( البخاري34 ) وروي : " ثلاث " .
وروي عن عبد الله ( أنه ){[6713]} قال : ( اعتبروا المنافق بثلاث : إذا حدت كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، ثم قرأ الآيات ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله } الآية ) ( التوبة : 75 ) . وعن وهب ( أنه ){[6714]} قال : ( من خصال المنافق أنه يحب الحمد ، ويكره الذم ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.