وقوله تعالى : { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } قيل : هم اليهود جاؤوا بأبنائهم أطفالا ، فقالوا : يا محمد هل على أولادنا هؤلاء من ذنب ؟ قال : لا ، قالوا : فوالذي نحلف {[5719]}به ما نحن إلا تزكيتهم ؛ ما من ذنب نعمله بالنهار إلا عفر عنا بالليل ، وما علمنا بالليل إلا كفر عنا بالنهار ، فذلك التزكية منهم . ويقل : تزكيتهم أنفسهم بقولهم : { نحن أبناء الله وأحباؤه }( المائدة : 18 ) لاذنوب لنا . ويحتمل أن تكون تزكيتهم أنفسهم ما قال عز وجل{ يا بني إسرائيل اذكروا التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين } ( البقرة : 47و122 ) . وكان أكثر الأنبياء ، عليهم السلام ، إنما بعثوا من بني إسرائيل ، وكانوا يزكون أنفسهم بذلك . فقال{[5720]} عز وجل : بل الله يزكي من يشاء } يفضل من يشاء أو يبرئ من الذنوب .
ثم التزكية تذم : أن يزكي أحد نفسه ، لأن التزكية ، هي التنزيه من العيوب كلها أو الذنوب ، وذلك مما لا يسلم أحد منها ، ولا يبرأ ، ولا يستحق مخلوق ، وذلك معنى النهي : { فلا تزكوا أنفسكم } ( النجم : 32 ) ، إذ تخرج التزكية مخرج التكبر ، وذلك لجهله بنفسه بما لا يرى غيره شكل نفسه ولا مثله ، فتكبر عليه . ولو عرف أنه مثله وشكله وما تكبر على أحد قط ، ولا تزكى نفسه . وقوله الرجل : أنا مؤمن ليس ذلك تزكية إنما هو إخبار عن شيء أكبره به ، والتزكية هي التي يرى ذلك من نفسه .
وقوله تعالى : أيضا : { ألم ترى إلى الذين يزكون أنفسهم } ليس في إظهار الإيمان تزكية لما لا يخلو من أن تظهر لمن أبى مشاركتك فيه ، فعليك الإظهار بحق الدعوة إليه لتدعوه إلى ما تدين به ، أو هو يشاركك فيه ، والتزكية في الحقيقة في ما يوجب تقديمك ، وليس في هذا ، وأيضا إن القول بالإيمان ليس بمقدر عن معنى العبادة أو سبب ، فيه علو من حيث ذلك ، إنما هو خبر عن أمر ، هي في اللغة تصديق بأمر هو ذلك ، ليس بالذي يعد في الرتب ، بل على كل ذلك ، ولا أحد إلا وقد يؤمن بأشياء تصدق ، فليس في القول به منقبة .
وكذلك ما من أحد إلا وعيه التكذيب بأمور ، فلا بالتكذيب في الإطلاق لوم ، ولا بالتصديق بالإطلاق مدح ، إذ في كل ذلك ، لمن لزم في تكذيب بهن فيكون من حيث كذلك ذممت . ثم يتفاوت على تفاوت درجات الكذب . ثم التصديق لو كان ثم مدح ، فهو يصدق كله ، فيصير المرء بوصفه نفسه صادقا في شيء تزكية ومدحا ، ولا قوة إلا بالله .
على أن للإيمان حدا ، وكل عبادة ذات حد ، فلا امتداح ممن قد أداها بالاختيار عن الأداء ولخاصة {[5721]} الفرائض منها ، نحو : من يقول : أنا{[5722]} بر أو تقي أو حبيب الله تعالى ، أو نحو ذلك إلى ما لا يعرف حده من الخيرات ، فهو بذلك يرتفع على الأشكال ، ويفتخر عليهم ، في ما لو كان صادقا كان منه إغفال عن حق ذلك . ولو كان كاذبا [ كان جائرا ]{[5723]}ممقوتا بالكذب ، والله الموفق .
وقوله تعالى : { ولا يظلمون فتيلا }عن ابن عباس رضي الله عنه ، [ أنه ]{[5724]} قال : ( الفتيل ما فتلت بين إصبعيك ، والنقير الذي يكون في ظهر النواة ، وهو على التمثيل ) . وقيل في حرف حفصة : ألم تر إلى الذين قالوا : إنا نزكي أنفسنا ؟ بل الله يزكي من يشاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.