وقوله تعالى : { فما لكم في المنافقين فئتين } اختلف في قصة الآية ؟ قيل : إن ناسا من أهل مكة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأسلموا ، وأقاموا بها ما شاء الله أن يقيموا ، ثم ندموا على الهجرة والإقامة فيها ، وأرادوا الرجعة إلى مكة ، فخرجوا يتحولون منقلة منقلة حتى تباعدوا من المدينة ، فلحقوا بمكة ، فكتبوا كتابا ، ثم بعثوا به مع رسول من قبلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم به الرسول عليه بالمدينة ، فإذا فيه : إنا على الذي فارقناك عليه من التصديق بالله وبرسوله{[6148]} ، اشتقنا إلى أرضينا ، واجتوينا المدينة . ثم إنهم خرجوا من مكة متوجهين إلى الشام للتجارة ، فبلغ ذلك المسلمين ، وهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض : فما صنعنا ؟ أنخرج إلى هؤلاء الذين رغبوا عن {[6149]}ديننا ، وتركوا هجرتنا ، فنقتلهم ، ونأخذ ما معهم ؟ فقال فريق منهم : كيف تقتلون قوما على دينكم ؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت ، لا ينهى واحدا من الفريقين ، حتى نزل قوله تعالى : { فما لكم في المنافقين فئتين } بين الله عز وجل لرسوله أمرهم ، وما صاروا إليه .
وقيل : تخلف رجال عن أحد ، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فئتين : فرقة تقول : اعف عنهم ، فنزلت الآية : { فما لكم في المنافقين فئتين } . وقيل : إن قوما كانوا يتحدثون ، فاختصموا في أهل مكة ، فقال بعضهم : إنهم كفار ، وقال آخرون : إنهم أكلوا ذبائحهم ، وصلوا صلاتكم ، وأجابوا دعوتكم ، فهم معكم ، وقال غيرهم : تركوا النبي صلى الله عليه وسلم وتخلفوا عنه ، فأكثروا في ذلك ( فنزل قوله تعالى ){[6150]} : { فما لكم في المنافقين فئتين } الآية .
فلا ندري كيف كانت القصة ؟ ولكن فيه النهي عن الاختلاف والتنازع بينهم ، كأنه قال ، والله أعلم : كيف تختلفون قوم ظهر نفاقهم ؟ وكيف لا تسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالهم ؟ وهو بين أظهركم كقوله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول }الآية ( النساء : 59 ) . وظهور نفاقهم يحتمل الخبر منه نصا أنهم منافقون ، ويحتمل الظهور بالاستدلال على أفعالهم . وقد يوفق على حال المرء بفعله أنه كافر أو مؤمن .
وقوله تعالى : { والله أركسهم بما كسبوا } قال الكسائي : ( فيه لغتان ؛ يقال : أركسته ، وارتكس الرجل إذا وقع فيه ، ورجع إليه ) وقيل : في حرف ابن مسعود رضي الله عنه ، وحفصة رضي الله عنها : والله ركسهم بما كسبوا . ثم قيل : أركسهم أي ردهم .
ثم يحتمل قوله تعالى : { والله أركسهم بما كسبوا } وجهين : ( يحتمل ما أظهروا ما ){[6151]} كان في قلوبهم من النفاق والخلاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى : { بما كسبت قلبوهم } ( البقرة : 225 ) ، ويحتمل ابتداء كسب كسبوا بعد ما أسلموا ، أي كفروا ، وارتدوا عن الإسلام بعد ما صح إسلامهم .
وفي{[6152]} إضافة ارتكاسهم إلى الله دلالة خلق فعلهم وحرمان( أمر ){[6153]} يملكه ، والله أعلم ، بما كسبوا من إحداث شرك ، أو بكسبهم بالقلوب وقت إظهارهم الإيمان في أن ظهر عليهم بلحوقهم إخوانهم من الكفرة ، أو لما جعل الله من أعلام النفاق التي ظهرت بفرض الجهاد والعبادات ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { أتريدون أن تهدوا منن أضل الله } تأويله ، والله أعلم ، { أتريدون أن تهدوا } وقد أراد الله أن يضلوا لما علم الله منهم أنهم لا يهتدون باختيارهم الكفر . ويحتمل أنكم لا تقدرون على هداهم إذا لم يهديهم الله تعالى كقوله تعالى : { إنك لا تهدي من أحبت ولكن الله يهدي من يشاء } ( القصص : 56 ) .
وفي قوله تعالى أيضا : { أتريدون أن تهدوا من أضل الله } قيل : أن ( تسموا مهدين ){[6154]} وقد أظهر الله ضلالتهم ضلة كقوله تعالى : { فما لكم في المنافقين فئتين } حذرهم عن الاختلاف في التسمية بعد البيان ، وقيل : أن تجعلوهم مهتدين ، وقد جعلهم الله ضالين نحو قوله تعالى : { إنك/106- ب/ لا تهدي من أحببت } الآية ، أيد ذا تمام الآية ، وأوضح الأول قوله تعالى : { ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا } يقول : من أضله الله عن الهدى{ فلن تجد له سبيلا } يهتدي ( به ){[6155]} وقيل : دينا ، وقيل : مخرجا ، وهو واحد ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.