وقوله تعالى : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } هذا ، والله أعلم ، وذلك أن أهل الكفر كانوا على طبقات ثلاث : منهم من يقول : لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ، وقولهم : { لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا } [ فصلت : 26 ] ، ومنهم من كان يخوفه ، ويمكر به ، ليقتلوه كقوله تعالى : { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك } الآية [ الأنفال : 30 ] ، ومنهم من كان يعرض عليه النساء والقصور ليترك ذلك ، وألا يدعوهم إلى دينه الذي هو عليه .
كانوا على الوجوه التي ذكرنا ، فأمر الله عز وجل أن يقوم على تبليغ رسالته ، وألا يمنعه ما يخشى من مكرهم وكيدهم على قتله . لأن المرء قد يمتنع عن القيام بما عليه إذا كذب في القوم ، ولحقه أذى بذلك . فأمر الله عز وجل نبيه [ صلى الله عليه وسلم ] بتبليغ ما أنزل إليه ، وإن خشي على نفسه الهلاك أو التكذيب في القول والأذى وترك طلب الموالاة . أي لا يمنعك شيء من ذلك من تبليغ ما أنزل إليك .
أو أن يكون الأمر بتبليغ الرسالة في حادث الوقت أن تبلغ ما أنزل إليك من البيان كما بلغت تنزيلا ، وهو كقوله تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } [ إبراهيم : 4 ] أخبر عز وجل أنه إنما [ أرسل ] الرسل على لسان قومهم ليبينوا لهم . فعلى ذلك هذا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } أي وإن [ لم ] تبلغ ما أنزل لما تخشى من الهلاك والمكر بك فكأنك لم تبلغ الرسالة رأسا . لم يعذب نبيه صلى الله عليه وسلم في ترك تبليغ الرسالة . وإن خاف على نفسه الهلاك ، ليس كمن أكره على الكفر أبيح له أن يتكلم بكلام الكفر بعد أن يكون قلبه مطمئنا بالإيمان إذا خاف الهلاك على نفسه . ولم يبح له ترك تبليغ الرسالة ، وإن خشي على نفسه الهلاك .
ذلك ، والله أعلم ، أن تبليغ الرسالة يتعلق باللسان دون القلب ، والإيمان تعلقه بالقلب دون اللسان . فإذا أكره على الكفر أبيح له التكلم به بعد أن يكون القلب على حاله مطمئنا بالإيمان .
وأما الرسالة فلا سبيل أن يبلغها إلا باللسان . لذلك لم يبح له تركها ، وإن خاف الهلاك . ولهذا يدل قولنا في المكره بالطلاق والعتاق : إنه إذا تكلم به عمل لتعلقهما باللسان دون القلب . فالإكراه لا يمنع نفاذ ما تعلق باللسان دون القلب الرسالة التي ذكرنا ، والله أعلم .
ويحتمل قوله تعالى : { وإن لم تفعل } أي لم تبلغ الرسالة في حادث فكأن لم تبلغ في ما مضى أو إن لم تبلغ البيان كما بلغت التنزيل في ما بلغت الرسالة ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { والله يعصمك من الناس } دليل إثبات رسالته صلى الله عليه وسلم لأنه عز وجل أخبر أنه عصمه من الناس ، فكان ما قال ، فدل أنه علم ذلك بالله . وكذلك في قوله تعالى : { من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون } [ هود : 55 ] كأن يقول بين ظهراني الكفرة : كيدوني جميعا ، ثم لم يلحقه من كيدهم شيء . دل أنه كان بالله تعالى [ معتصما ] .
وعن عائشة رضي الله عنها [ أنها قالت ] : كان النبي صلى الله عليه وسلم [ يحرسه أصحابه ] . فلما نزل قوله تعالى : { والله يعصمك من الناس } قال : «انصرفوا إلى منازلكم فإن الله عصمني من الناس » [ القرطبي : 6/180 ] فانصرفوا .
ويحتمل قوله تعالى : { بلغ ما أنزل إليك من ربك } أي بلغ ما أنزل إليك من الآيات والحجج والبراهين التي جعلها الله أعلاما لرسالتك وآثارا لنبوتك ، ليلزمهم الحجة بذلك ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.