تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ مِّنۡهُمۡ أُمَّةٞ مُّقۡتَصِدَةٞۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ سَآءَ مَا يَعۡمَلُونَ} (66)

وقوله تعالى : { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم } يحتمل هذا وجهين : يحتمل أنهم لو عملوا بها في التوراة والإنجيل وبما أنزل إليهم من القرآن { لأكلوا من } كذا . ويحتمل ] { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل } ورجعوا عما حرفوا فيهما ، وغيره ، وكتموه من بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصفته وما فيهما من الأحكام لكان لهم ما ذكر ، والله أعلم .

وذلك لأنهم كانوا يخافون الضيق إذا أسلموا ؛ وهو ، والله أعلم ، وذلك قوله تعالى : { وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } [ القصص : 57 ] فأخبر الله عز وجل أنهم لو آمنوا ، واتقوا الشرك ، لوسع عليهم العيش .

وقوله تعالى : { لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } ليس على حقيقة الأكل ، ولكن يخرج على المبالغة في الوصف والذكر كما يقال : فلان من قرن رأسه إلى قدمه في نعمة [ ليس ] على حقيقة ما وصف ، ولكن على المبالغة في الوصف بالسعة . ويحتمل أن يكون على حقيقة الأكل .

أما ما يخرج الأرجل فهو ما يخرج من الأرض من المأكول والمشروب ، و{ ومن فوقهم } من الثمار والفواكه فهو من الأشجار . ويحتمل ما ذكر { من فوقهم } الجبال ، { ومن تحت أرجلهم } الأرض إخبار أن يكون [ ما أنزل في ] الجبل والسهل جميعا .

وقيل : { لأكلوا من فوقهم } أي أرسل الله عليهم مدرارا { ومن تحت أرجلهم } تخرج الأرض بركتها ، وتنبت الثمرة . وقال قتادة : لأعطتهم الأرض نباتها ، والسماء بركتها ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { منهم أمة مقتصدة } قيل فيه بوجهين : [ قيل : { منهم أمة مقتصدة } من أسلم ، وقيل : ] { منهم أمة مقتصدة } على كتاب لم يحرفون ، ولا غيروه ، ولا كتموا شيئا ، ولا سعوا في الأرض بالفساد على ما عمل أكثرهم من التحريف والتغيير ، والله أعلم .