الآية 31 وقوله تعالى : { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله } يحتمل قوله تعالى : { كذبوا بلقاء الله } أي كذبوا لقاء وعد الله ووعيده في الدنيا ، وعلى ذلك يخرج ما روي في الخبر : ( من أحب لقاء الله ) أي أحب لقاء ما وعد الله له ( ومن كره لقاء الله ) أي كره ما وعد له . وأصله : ( من أحب الرجوع إلى الله أحب الله رجوعه ومن كره الرجوع إلى الله كره الله رجوعه إليه ) [ البخاري 6507 و 6508 ] والمحبة لله اختيار أمره وطاعته . وعلى ذلك ما روي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أنه ]{[7022]} قال : ( الدنيا جنة الكافر يلعب فيها ، ويرتكض في أمانيها ، وسجن المؤمن ، وراحته بالموت ) [ مسلم : 2956 ] .
وأصله أنها سجن المؤمن ؛ لأن المؤمن يمنعه دينه من قضاء شهواته لما يخاف هلاكه ، ويحذره عما يفيضه إلى الهلاك . والكافر لا يمنعه شيء من ذلك عما يريد من قضاء شهواته في الدنيا ، فتكون له كالجنة وللمؤمن كالسجن على ما ذكرنا .
ويحتمل وجها آخر وهو أن الكافر عند الموت يعاين مكانه وما أوعد له في النار ؛ فتصير عند ذلك الدنيا كالجنة له ؛ [ يريد الرجوع إليها ]{[7023]} ، والمؤمن يعاين موضعه في الجنة ، فتصير [ الدنيا ]{[7024]} كالسجن له .
وقوله تعالى : { حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة } قيل : سميت القيامة ساعة لسرعتها ليست كالدنيا ؛ لأن في الدنيا تتغير فيها على المرء الأحوال ؛ يكون نطفة ، ثم يصير علقه ، ثم مضغة ، ثم يصير خلفا آخر ، ثم إنسانا ، ثم يكون طفلا ، ثم رجلا ؛ تتغير عليه الأحوال .
وأما القيامة فإنها لا تقوم على تغير الأحوال ؛ فسميت الساعة لسرعتها بهم ، وقيل : سميت القيامة الساعة لأنها تقوم في ساعة ، وهو كقوله تعالى : { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } [ النحل : 77 ] وقيل : سميت الساعة لما{[7025]} تقوم ساعة فساعة .
وقوله تعالى : { بغتة } أي فجأة .
وقوله تعالى : { يا حسرتنا على ما فرطنا فيها } قيل : التفريط هو التضييع ؛ فيحتمل قوله : { ما فرطنا فيها } أي ما ضيعنا في الدنيا من المحاسن والطاعات ، ويحتمل : ضيعنا في الآخرة من الثواب والجزاء الجزيل بكفرهم في الدنيا .
وقوله تعالى : { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم } هو ، والله أعلم ، على التمثيل ليس على التحقيق ؛ وهو يحتمل [ وجوها :
أحدها ]{[7026]} : يحتمل أنه أخبر أنهم { يحملون أوزارهم على ظهورهم } بما لزموا أوزارهم وآثامهم ، لم يفارقوها قط ؛ وصفهم بالحمل على الظهر ، وهو كقوله تعالى : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } [ الإسراء : 13 ] ولكن لما لزم ذلك صار كأنه في عنقه .
والثاني : إنما ذكر الظهر [ لما على الظهر ]{[7027]} يحمل ما يحمل ، فكان كقوله تعالى : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } [ الشورى : 30 ] [ وكقوله تعالى ]{[7028]} : { ذلك بما قدمت أيديكم } [ آل عمران : 182 ] لأن الكفر لا يكتسب بالأيدي ، ولا يقدم بها ، لكن اكتساب الشيء وتقديمه لما كان باليد ذكر اكتساب اليد وتقديمه ، وكقوله تعالى : { فنبذوه وراء ظهورهم } [ آل عمران : 187 ] إنهم لما تركوا العمل به والانتفاع صار كالمنبوذ وراء الظهر لأن الذي ينبذ وراء الظهر هو الذي لا يعبأ به ، ولا يكترث إليه .
ويحتمل وجها آخر [ هو ما ذكر ]{[7029]} في بعض القصة أنه يأتيه عمله الخبيث على صورة قبيحة ، فيقول له : كنت أحملك في الدنيا باللذات والشهوات ، وأنت اليوم تحملني ، فيركب ظهره ، فذلك قوله تعالى : { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.