الآية 91 وقوله تعالى : { وما قدروا الله حق قدره } قيل : نزلت سورة الأنعام في محاجة أهل الشرك إلا آيات نزلت في محاجة أهل الكتاب .
إحداها{[7416]} : هذه { وما قدروا الله حق قدره } الآية ، وذكر في موضع آخر : { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته } الآية [ الزمر : 67 ] ثم قال بعض أهل التأويل : ما عرفوا الله حق معرفته ، وقال غيرهم : ما عظموا الله حق عظمته ؛ ذكروا أن هؤلاء لم يعظموا الله حق عظمته ، ولا عرفوه حق معرفته . ومن يقدر أن يعرف [ الله ] {[7417]} حق معرفته ؟ أو من يقدر أن يعبد الله حق عبادته ؟
وكذلك روي في الخبر أن الملائكة يقولون يوم القيامة : يا ربنا ما عبدناك حق عبادتك مع ما أخبر عنهم أنهم { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } [ التحريم : 6 ] وقال : { لا يستكبرون عن عبادته ، ولا يستحسرون } [ الأنبياء : 19 ] فهم مع هذا كله يقولون : ما عبدناك حق عبادتك . ومن يقدر أن يعرفه حق معرفته ، أو يعظمه{[7418]} حق عظمته ؟ ولكن تأويلهم ، والله أعلم : أي ما عرفوا الله حق المعرفة التي تعرف بالاستدلال ، ولا عظموه حق عظمته التي تعظم بالاستدلال . ألا لا أحد{[7419]} يقدر أن يعرف الله حق معرفته ، ولا يعظمه{[7420]} حق عظمته حقيقة !
أحدهما : { وما قدروا الله حق قدره } ولا اتقوا [ الله ]{[7421]} حق تقواه مما كلفوا به ، وأطاقوه ، ومما جرى الأمر بذلك . وإنما تجري الكلفة منه على قدر الطاقة والوسع ، ألا لا يقدر أحد أن يعظم ربه حق عظمته ، ولا اتقاه{[7422]} حق تقواه . ولكن ما ذكرنا مما جرت الكلفة .
والثاني : { وما قدروا الله حق قدره } ولا اتقوا [ الله ]{[7423]} حق تقاته على القدر الذي يعملون لأنفسهم ؛ أي لو اجتهدوا في تقواه وتعظيمه{[7424]} القدر الذي لو كان ذلك العمل لهم ، فيجتهدون ، ويبلغ جهدهم ذلك [ لكانوا متقين ]{[7425]} .
وقوله تعالى : { إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } لو كان هؤلاء في الحقيقة أهل الكتاب ما أنكروا الرسل ولا الكتب لأن أهل الكتاب يؤمنون ببعض الرسل وببعض الكتب ، وإن كانوا يكفرون ببعض . لكن أنكروا الرسل لما كانوا أهل نفاق . ويكون من اليهود أهل نفاق كما يكون من أهل الإسلام . كانوا يظهرون الموافقة لهم ، ويضمرون الخلاف لهم والموالاة لأهل الشرك ، ويظاهرون عليهم كما كان يفعل ذلك منافقو أهل الإسلام ؛ كانوا يظهرون الموافقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويضمرون الخلاف له ، ويظاهرون المشركين عليه . فأطلع الله رسول على نفاقهم ليعلم قومهم خلافهم ، وأن ما كان من تحريف الأحكام وتغييرها وكتمان بعث{[7426]} محمد [ عليه أفضل الصلوات ]{[7427]} وصفته إنما كان من هؤلاء .
وذكر في بعض القصة أنها نزلت في شأن مالك بن الصيف ، وكان سمينا ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تجد في التوراة أن الله يبغض كل حبر سمين ، فقال : نعم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فأنت حبر سمين يبغضك الله ، فغضب ، فقال : { ما أنزل الله على بشر } أنكر الرسل والكتب جميعا ، فأكذبه به تعالى ، وأظهر نفاقه عند قومه . فقال : { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا } قيل { تجعلونه قراطيس } يعني صحفا ، ثم تكتبونه{[7428]} في الصحف ، ثم تنكرون أنه { ما أنزل الله على بشر من شيء } أي فالذي كنتم كتبتموه : أن لم ينزل { الله على بشر من شيء } { تبدونها وتخفون كثيرا } /155-أ/ [ تكتبون ما تظهرون ]{[7429]} في الصحف ما ليس فيه صفة رسول الله [ وبعثه ]{[7430]} صلى الله عليه وسلم [ وتخفون ما فيه صفته وبعثه{[7431]} ، وتغيرون . وقيل : { تبدونها } أي تظهرون قراءتها { وتخفون كثيرا } مما فيه بعثه{[7432]} صلى الله عليه وسلم ]{[7433]} ، وما{[7434]} فيه من الأحكام التي لا تطيب فيها أنفسهم من أمر الرجم والقصاص وغير ذلك .
وقوله تعالى : { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس } سمى عز وجل جميع كتبه { نورا وهدى } وهو نور من الظلمات ؛ أي يرفع الشبهات ، ويجليها ، وهدى من الضلالات أي بيانا ودليلا من الحيرة والهلاك ، وبالله العصمة والنجاة .
وقوله تعالى : { وعلمتم ما لم تعلموا } قال مجاهد : الآية في المسلمين ؛ يقول : علموا ما لم يعلموا لوا آباؤهم . وقال الحسن : الآية في الكفرة ؛ أي { وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم } من تحريف أولئك الكتاب وتغييرهم إياه . وقيل : { وعلمتم ما } في التوراة { لم تعلموا أنتم ولا } يعلمه { آباؤكم } .
ثم قال : { ثم ذرهم } قال بعضهم : قوله تعالى : { قل الله } هو صلة قوله : { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا } ؟ يا محمد { قل الله } أنزله على موسى . وقيل : صلة قوله : { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا } ؟ قل : يا محمد { الله } { وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم } قال : يا محمد الله علمكم . ويحتمل أن يكون عز وجل سخرهم حتى قالوا ذلك ، فكان ذلك حجة عليهم .
[ وقوله ]{[7435]} تعالى : { ثم ذرهم في خوضهم يلعبون } هذا يحتمل [ وجهين :
أحدهما ]{[7436]} : { ذرهم } ولا تكافئهم بصنيعهم كقوله تعالى : { فاعف عنهم واصفح } [ المائدة : 13 ] .
والثاني : أنه قد أقام عليهم الحجج ، وظهرت عندهم البراهين ، لكنهم كابروا ، وعاندوا ، فأمره أن يذرهم ، ولا يقيم عليهم الآيات والحجج بعد ذلك . ولكن تدعوهم إلى التوحيد ، لا تذر دعاءهم إلى التوحيد ، ولكن [ عليك أن ]{[7437]} تذرهم ، ولا تقيم عليهم الحجج .
وقوله تعالى : { في خوضهم } أي في باطلهم وتكذيبهم { يعمهون } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.