تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ جِئۡتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَتَرَكۡتُم مَّا خَوَّلۡنَٰكُمۡ وَرَآءَ ظُهُورِكُمۡۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمۡ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ أَنَّهُمۡ فِيكُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيۡنَكُمۡ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ} (94)

الآية 94 وقوله تعالى : { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة } يحتمل هذا ، والله أعلم ، وجوها :

[ أحدها : ]{[7451]} أي أعدناكم ، وبعثناكم فرادى بلا معين ولا ناصر { كما خلقناكم أول مرة } بلا معين ولا ناصر .

والثاني : أعيدكم وأبعثكم فرادى بلا أعوان ولا شفعاء يشفعون لكم ، ويعين{[7452]} بعَضكم بعضا ، كما خلقناكم في الابتداء لم يكن لكم شفعاء ولا أعوان .

وقيل{[7453]} : يبعثكم ، ويعيدكم بلا مال ولا شيء من الدنياوية كما خلقكم في الابتداء ، ولم يكن لكم مال ولا شيء من الدنياوية .

وجائز{[7454]} أن يكون قوله تعالى : { ولقد جئتمونا فرادى } ليس معكم ما تفتخرون به من الخدم والأموال والقرابات التي افتخرتم في الدنيا { كما خلقناكم أول مرة } .

وجائز{[7455]} أن [ يكون ]{[7456]} قوله { كما خلقناكم أول مرة } منفصلا [ عن ]{[7457]} قوله : { ولقد جئتمونا فرادى } فيكون{[7458]} جواب سؤال : أن كيف نبعث{[7459]} ؟ فقال : تبعثون{[7460]} كما خلقناكم أول مرة .

وقوله تعالى : { وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم } يحتمل [ وجهين :

أحدهما : ]{[7461]} تركتم { ما خولناكم وراء ظهوركم } ولا تلتفتون إليه ، ولا تنظرون ، كالمنبوذ وراء ظهوركم . إنما نظركم إلى أعمالكم التي قدمتموها .

والثاني : لم تقدموا { ما خولناكم } ولم تنتفعوا منه ، بل تركتموه{[7462]} { وراء ظهوركم } لا تنتفعون{[7463]} إنما منفعتكم ما قدمتموه ، وأنفقتم منه .

وقوله تعالى : { ما خولناكم } قيل : أعطيناكم ، وقيل : رزقناكم ، وقيل : مكناكم ، وهو واحد .

وقوله تعالى : { وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء } إنهم كانوا يجعلون لله شركاء في عبادته وألوهيته ، ويقولون : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [ يونس : 18 ] ويقولون { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] يقول الله تعالى : { وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء } لله في عبادتكم ، وزعمتم أنهم شفعاؤكم عند الله ، بل شغلوا هم بأنفسهم ؛ يخبر عن سفههم وقلة نظرهم منهم .

وقوله تعالى : { لقد تقطع بينكم } قرئ بالرفع والنصب جميعا{[7464]} ؛ فمن قرأ بالرفع يقول : لقد تقطع تواصلكم ، ومن قرأ بالنصب يقول : لقد تقطع ما كان بينكم من التواصل وتعاون بعضكم{[7465]} بعضا في هذه الدنيا ؛ إنهم كانوا يتعارفون ، ويتناصرون{[7466]} .

يخبر أن ذلك كله ينقطع في الآخرة ، ويصير بعضهم أعداء لبعض ، ويتبرأ بعضهم من بعض كقوله تعالى : { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا } البقرة : 166 ] وكقوله تعالى { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } [ الزخرف : 67 ] وكقوله تعالى : { وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين } [ الأحقاف : 6 ] وكقوله تعالى : { سيكفرون بعبادتهم } الآية [ مريم : 82 ] يصير المعبودون أعداء للمعبودين ، وتصير الوصلة والمودة التي في ما بينهم في هذه الدنيا عداوة ، والرحم والقرابة [ التي كانت بينهم منقطعة ]{[7467]} حتى يفر بعضهم من بعض كقوله تعالى : { يوم يفر المرء من أخيه } { وأمه وأبيه } [ عبس : 34و 35 ] .

وقوله تعالى : { ما كنتم تزعمون } أي ذهب عنكم ، وبطل { ما كنتم تزعمون } أنهم شفعاؤكم عند الله ، وبالله العصمة والنجاة .


[7451]:- ساقطة من الأصل وم.
[7452]:- الواو ساقطة من الأصل وم.
[7453]:- هذا هو الوجه الثالث.
[7454]:- هذا هو الوجه الرابع.
[7455]:- هذا هو الوجه الخامس.
[7456]:- ساقطة من الأصل وم.
[7457]:-ساقطة من الأصل وم.
[7458]:- في الأصل وم: لكن.
[7459]:- في الأصل وم: يبعثون.
[7460]:- أدرج قبلها في الأصل وم: أي.
[7461]:- ساقطة من الأصل وم.
[7462]:- في الأصل وم: تركتم.
[7463]:- في الأصل وم: تنتفعوا.
[7464]:- انظر معجم القراءات القرآنية ج 2/ 296
[7465]:- في الأصل وم: بعضهم.
[7466]:- أدرج بعدها في الأصل وم: بعضهم بعضا.
[7467]:- في الأصل وم: الذي مات بينهم منقطعا.